أخبار ابن مناذر ونسبه
  لقيني ابن مناذر بمكة، فأنشدني قصيدته:
  كلّ حيّ لاقي الحمام فمودي
  ثم قال لي: أقرئ أبا عبيدة السلام وقل له: يقول لك ابن مناذر، اتّق اللَّه واحكم بين شعري وشعر عديّ بن زيد، ولا تقل ذلك جاهليّ، وهذا إسلاميّ، وذاك قديم وهذا محدث فتحكم بين العصرين، ولكن احكم بين الشعرين ودع / العصبيّة، قال: وكان ابن مناذر ينحو نحو عديّ بن زيد في شعره، ويميل إليه ويقدّمه.
  ينحو نحو عدي بن زيد في شعره ويقدمه
  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عثمان الكزبريّ، قال: أخبرني محمد بن الحجاج الجرادانيّ، قال:
  قلت لابن مناذر: من أشعر الناس؟ قال: من كنت في شعره، فقلت له: ومن(١) ذاك؟ فقال: عديّ بن زيد، وكان ينحو نحوه في شعره ويقدّمه ويتّخذه إماما.
  كان أبو عبد المجيد الثقفي على جلالته وسنه لا ينكر صحبة ابنه لابن مناذر
  والأبيات التي فيها الغناء أوّل قصيدة لمحمد بن مناذر رثى بها عبد المجيد بن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثّقفيّ، وكان يهواه، وكان عبد المجيد هذا فيما يقال من أحسن الناس وجها وأدبا ولباسا، وأكملهم في كلّ حال، وكان على غاية المحبّة لابن مناذر والمساعدة له والشّغف به. وكان يبلغ خبره أباه على جلالته وسنّه وموضعه من العلم، فلا ينكر ذلك؛ لأنّه لم تكن تبلغه عنه ريبة، وكان ابن مناذر حينئذ حميد الأمر(٢) حسن المروءة عفيفا.
  فحدّثني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن حدّان(٣)، قال: حدثني قدامة بن نوح، قال:
  قيل لعبد الوهاب بن عبد المجيد الثّقفيّ: إن ابن مناذر قد أفسد ابنك، وذكره في شعره وشبّب به، فقال عبد الوهاب: أو لا يرضى ابني أن يصحبه مثل ابن مناذر ويذكره في شعره!.
  خروجه إلى جبانة بانة أم عبد المجيد مع جواريها
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدثني عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ، قال:
  أمّ عبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ الذي كان يشبّب به ابن مناذر بانة بنت أبي العاصي، وهي مولاة جنان التي يشبّب بها أبو نواس، قال: فحدّثني من رأى / محمد بن مناذر يوم ثالث بانة هذه، وقد خرج جواريها إلى قبرها، فخرج معهنّ نحو الجبّانة بالبصرة، قال: فقلت له: يا أبا عبد اللَّه، أين تريد؟ فقال:
  اليوم يوم الثّلاثا ... ويوم ثالث بأنه
  اليوم تكثر فيه الظَّبا ... ء في الجبّانه
(١) في ب، س: فقلت له: على ذاك.
(٢) ف: جميل الأمر.
(٣) ب: «جدان»، تصحيف.