كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مناذر ونسبه

صفحة 375 - الجزء 18

  بنى له عزّة ومجدا ... في أول⁣(⁣١) الدّهر بانيان

  بان تلقّاه من ثقيف ... ومن ذرا الأزد خير باني⁣(⁣٢)

  فاسأله ممّا حوت يداه ... يهتزّ كالصّارم اليماني⁣(⁣٣)

  ملازمته عبد المجيد في مرضه

  أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال:

  مرض عبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ مرضا شديدا بالبصرة، وكان ابن مناذر ملازما له يمرّضه ويخدمه، ويتولى أمره بنفسه، لا يكله إلى أحد. فحدّثني بعض أهلهم قال: حضرت يوما عنده، وقد أسخن له ماء حارّ ليشربه، واشتدّ به الأمر فجعل يقول: آه! بصوت ضعيف، فغمس ابن مناذر يده في الماء الحارّ وجعل يتأوّه مع عبد المجيد ويده تحترق حتى كادت يده تسقط، فجذبناها وأخرجناها من الماء، وقلنا له: أمجنون أنت! أيّ شيء هذا! أينتفع به ذاك! فقال: أساعده، وهذا جهد من مقلّ، ثم استقلّ من علَّته تلك وعوفي مدّة طويلة، ثم تردّى من سطح فمات، فجزع عليه جزعا شديدا حتى كاد يفضل / أهله وإخوته في البكاء والعويل، وظهر منه من الجزع ما عجب الناس له، ورثاه بعد ذلك بقصيدته المشهورة، فرواها أهل البصرة، ونيح بها على عبد المجيد، وكان الناس يعجبون بها ويستحسنونها.

  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم النّوشجانيّ⁣(⁣٤)، قال: سمعت أبي يقول:

  حضرت سفيان بن عيينة يقول لابن مناذر: أنشدني ما قلت في عبد المجيد، فأنشده قصيدته الطويلة الدّالية.

  قال سفيان: بارك اللَّه فيك، فلقد تفرّدت بمراثي أهل العراق.

  سقوط عبد المجيد من السطح على رأسه وموته

  فأخبرني عمّي، قال: حدثني أبو هفّان، قال: قال جمّاز:

  تزوج عبد المجيد امرأة من أهله فأولم عليها شهرا يجتمع عنده في كلّ يوم وجوه أهل البصرة وأدباؤها وشعراؤها، فصعد ذات يوم إلى السطح فرأى طنبا من أطناب السّتارة قد انحلّ، فأكبّ عليه ليشدّه، فتردّى على رأسه ومات من سقطته، فما رأيت مصيبة قطَّ كانت أعظم منها ولا أنكأ للقلوب.

  طارح محمد بن عمر الخراز رثاءه في عبد المجيد وناحا عليه به بعد أن وضعا فيه لحنا

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: حدثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني العبّاس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، قال: حدثني محمد بن عمر الخرّاز⁣(⁣٥)، قال:

  قال لي ابن مناذر: ويحك! ولست أرى نساء ثفيف ينحن على عبد المجيد نياحة على استواء، قلت: فما


(١) في ب: أزل.

(٢) في ب:

«بأن تلقاه ... غير بان»

، تحريف.

(٣) كذا في ف. وفي ب، س: «جاء البيت الثامن مكان التاسع».

(٤) ف: محمد بن محمد بن القاسم النوشجاني.

(٥) ف: عن جعفر بن سليمان، قال: حدثني محمد بن عمرو الجان.