كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مناذر ونسبه

صفحة 379 - الجزء 18

  كان من أحضر الناس جوابا

  أخبرني هاشم بن محمد، قال: حدثنا الخليل بن أسد، قال:

  كان ابن مناذر من أحضر الناس جوابا، قال له رجل: ما شأنك؟ قال: عظم في أنفي.

  قال: وسأله رجل يوما: ما الجرباء؟ فأومأ بيده إلى الأرض، قال: هذه، يهزأ به، وإنّما الجرباء السّماء.

  خبره مع الخليل بن أحمد

  أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ المؤدّب، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني جعفر بن محمّد عن دماذ⁣(⁣١) قال:

  / دار بين الخليل بن أحمد وبين ابن مناذر كلام، فقال له الخليل: إنما أنتم معشر الشّعراء تبع لي، وأنا سكَّان السّفينة، إن قرّظتكم ورضيت قولكم نفقتم وإلَّا كسدتم، فقال ابن مناذر: واللَّه لأقولنّ في الخليفة قصيدة أمتدحه بها ولا أحتاج إليك فيها عنده ولا إلى غيرك.

  يمدح الرشيد فيجيزه

  فقال في الرّشيد قصيدته الَّتي أوّلها:

  ما هيّج الشوق من مطوّقة ... أوفت على بانة تغنّينا

  يقول فيها:

  ولو سألنا بحسن وجهك يا ... هارون صوب الغمام أسقينا

  / قال: وأراد أن يفد بها⁣(⁣٢) إلى الرشيد، فلم يلبث أن قدم الرشيد البصرة حاجّا ليأخذ على طريق النّباج⁣(⁣٣) وكان الطريق⁣(⁣٤) قديما، فدخلها وعديله إبراهيم الحرّانيّ فتحمّل عليه ابن مناذر بعثمان بن الحكم الثّقفيّ، وأبي بكر السّلميّ حتى أوصلاه إلى الرّشيد، فأنشده إيّاها، فلما بلغ آخرها كان فيها بيت يفتخر فيه وهو:

  قومي تميم عند السّماك لهم ... مجد وعزّ فما ينالونا⁣(⁣٥)

  فلما أنشده هذا البيت تعصّب عليه قوم من الجلساء، فقال له بعضهم: يا جاهل، أتفخر في قصيدة مدحت بها أمير المؤمنين. وقال آخر: هذه حماقة بصريّة، فكفّهم عنه الرشيد ووهب له عشرين ألف درهم.

  الرشيد يستشهد بشعره ويبعث له بجائزة

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال: حدثني سهيل السّلميّ: أنّ الرّشيد استسقى في سنة قحط فسقي الناس، فسرّ بذلك، وقال: للَّه درّ ابن مناذر حيث يقول:


(١) ب: ابن دماذ.

(٢) ف، بيروت: «ينفذ بها»، وفي المختار: «ينفذها».

(٣) في بلاد العرب نباجان، أحدهما على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد، والآخر نباج بني سعد بالقريتين.

(٤) في ب، بيروت: «وهو كان الطريق».

(٥) ف: «فما يبالونا».