أخبار ابن عائشة ونسبه
  صلف كان فيه لما كان بعد أبي عبّاد مثله.
  أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكيّ عن أبيه عن جدّه قال: ثلاثة من المغنّين كانوا أحسن الناس حلوقا: ابن عائشة وابن تيزن(١) وابن أبي الكنّات.
  ضرب ابن أبي عتيق رجلا خدش حلقه
  حدّثني عمي قال حدّثنا محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب الزّبيريّ عن أبيه قال:
  رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدّشا فقال: من فعل هذا بك؟ قال: فلان، فمضى فنزع ثيابه وجلس للرجل على بابه، فلمّا خرج أخذ بتلبيبه(٢) وجعل / يضربه ضربا شديدا والرجل يقول له: مالك تضربني! أيّ شيء صنعت! وهو لا يجيبه حتى بلغ منه؛ ثم خلَّاه وأقبل على من حضر فقال: هذا أراد أن يكسر مزامير داود: شدّ(٣) على ابن عائشة فخنقه وخدش حلقه.
  لو كان آخر غنائه كأوّله لفاق ابن سريج
  قال إسحاق في خبره: وحدّثني أبي عن سياط عن يونس الكاتب قال: ما عرفنا بالمدينة أحسن ابتداء من ابن عائشة إذا غنّى، ولو كان آخر غنائه مثل أوّله لقدّمته على ابن سريج. قال إبراهيم: هو كذاك عندي، وقال إسحاق مثل قولهما. قال: وقال يونس: كان ابن عائشة يضرب بالعود ولم يكن مجيدا، وكان غناؤه أحسن من ضربه، فكان لا يكاد يمسّ العود إلَّا أن تجتمع جماعة من الضّرّاب فيضربون عليه ويضرب هو ويغنّي، فناهيك به حسنا!.
  كان يصلح لمنادمة الخلفاء والملوك
  أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان أنه ذكر يوما المغنّين بالمدينة، فقال: لم يكن بها أحد بعد طويس أعلم من ابن عائشة ولا أظرف مجلسا ولا أكثر طيبا؛ وكان يصلح أن يكون نديم خليفة أو سمير ملك. قال إسحاق: فأذكرني هذا القول قول جميلة له: وأنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح أن تكون.
  رآه الحسن بن الحسن بالعقيق فأكرهه على أن يغنيه مائة صوت فلم ير أحسن منه غناء في ذلك اليوم
  قال إسحاق وحدّثني المدائنيّ قال حدّثني جرير قال: كان ابن عائشة تائها سيّئ الخلق، فإن قال له إنسان:
  تغنّ، قال: ألمثلي يقال هذا! وإن قال له إنسان وقد ابتدأ هو بغناء: أحسنت، قال: ألمثلي يقال أحسنت! ثم يسكت، فكان قليلا ما ينتفع به. فسال العقيق مرّة فدخل عرصة سعيد بن العاصي الماء حتى ملأها، فخرج الناس إليها وخرج ابن عائشة فيمن خرج، فجلس على قرن البئر، فبينا هم / كذلك إذ طلع(٤) الحسن بن الحسن بن
(١) انظر الكلام عليه في حاشية ٢ صفحة ٢٨٣ من الجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
(٢) التلبيب من الإنسان ما في موضع اللبب من ثيابه، واللبب: موضع القلادة من الصدر، يقال: أخذ فلان بتلابيب فلان إذا جمع عليه ثوبه الذي هو لابسه عند صدره وقبض عليه يجرّه.
(٣) كذا في م، أ. في أغلب النسخ: «وشدّ» بواو العطف.
(٤) كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «أقبل».