نسب أشجع وأخباره
  طلب منه جعفر وصف مكانه شعرا فقال وأجاد
  فقال له جعفر: صف موضعنا هذا، فقال:
  قصور الصالحيّة كالعذارى ... لبسن ثيابهنّ ليوم عرس
  مطلَّات على بطن كسته ... أيادي الماء وشيا نسج غرس
  إذا ما الطَّلّ أثّر في ثراء ... تنفّس نوره من غير نفس
  فتغبقه السّماء بصبغ ورس ... وتصبحه بأكؤس عين شمس(١)
  / فقال جعفر للأعرابي: كيف ترى صاحبنا يا هلاليّ؟ فقال: أرى خاطره طوع لسانه، وبيان الناس تحت بيانه، وقد جعلت له ما تصلني به، قال: بل نقرّك(٢) يا أعرابيّ ونرضيه، وأمر للأعرابيّ بمائة دينار ولأشجع بمائتين.
  أنس بن أبي شيخ يعجب بشعره ويقدمه إلى جعفر بن يحيى
  أخبرني عمّي قال؛ حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو عامة، قال: حدّثني أشجع السّلميّ، قال:
  كنت ذات يوم في مجلس بعض إخواني أتحدّث وأنشد، إذ دخل عليهم أنس بن أبي شيخ النّصريّ صاحب جعفر بن يحيى، فقام له جميع القوم غيري، ولم أعرفه فأقوم له، فنظر إليّ وقال: من هذا الرّجل؟ قالوا: أشجع السّلميّ الشّاعر، قال: أنشدني بعض قولك، فأنشدته. فقال: إنّك لشاعر، فما يمنعك من جعفر بن يحيى؟ فقلت:
  ومن لي بجعفر بن يحيى؟ فقال: أنا، فقل أبياتا ولا تطل فإنه يملّ الإطالة، فقلت: لست بصاحب إطالة، فقلت أبياتا على نحو ما رسم لي، وصرت إلى أنس فقال: تقدّمني إلى الباب، فتقدّمت، فلم يلبث أن جاء فدخل، وخرج أبو رمح الهمذانيّ حاجب(٣) جعفر بن يحيى، فقال أشجع: فقمت، فقال: ادخل، فدخلت، فاستنشدني فأنشدته أقول:
  وترى الملوك إذا رأيتهم ... كلّ بعيد الصّوت والجرس
  فإذا بدا لهم ابن يحيى جعفر ... رجعوا الكلام بمنطق همس
  ذهبت مكارم جعفر وفعاله ... في النّاس مثل مذاهب الشّمس
  / قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، قال: وكان أشجع يحبّ الثّياب، وكان يكتري الخلعة كل يوم بدرهمين، فيلبسها أياما، ثم يكتري غيرها، فيفعل بها مثل ذلك، / قال: فابتعت أثوابا كثيرة بباب الكرخ، فكسوت عيالي وعيال إخوتي حتى أنفقتها.
  الفضل بن يحيى يهب له ضعف ما وهبه إياه جعفر
  ثم لقيت المبارك مؤدّب الفضل بن يحيى بعد أيام، فقال لي: أنشدني ما قلته في جعفر، فأنشدته، فقال:
(١) في ما:
«فتغبقه بصبغ لون ورس»
وفي ف، بيروت: «وتصبحه بكأس عين شمس». وفي «اللسان»: غبقه يغبقه غبقا: سقاء غبوقا؛ وهو الشرب بالعشي. وصبحه يصبحه: سقاه صبوحا. والصبوح: ما أصبح عندهم من شرابهم.
(٢) في مد، ما: نصلك. وفي «المختار»: نبرك. وفي ب: نقدك.
(٣) في ب، س: أبو زنج الهمذاني صاحب جعفر.