نسب أشجع وأخباره
  ما يمنعك من الفضل؟ فقلت: ومن لي بالفضل؟ فقال: أنا لك به، فأدخلني عليه، فأنشدته:
  وما قدّم الفضل بن يحيى مكانه ... على غيره بل قدّمته المكارم
  لقد أرهب الأعداء حتى كأنما ... على كل ثغر بالمنيّة قائم
  فقال لي: كم أعطاك جعفر؟ فقلت: عشرة آلاف درهم، فقال: أعطوه عشرين ألفا.
  جعفر بن يحيى يجري عليه في كل جمعة مائة دينار
  أخبرني علي بن صالح، قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن، قال: حدثني داود بن مهلهل، قال:
  لما خرج جعفر بن يحيى ليصلح أمر الشام، نزل في مضربه، وأمر بإطعام الناس، فقام أشجع فأنشده قوله:
  فئتان باغية وطاغية ... جلَّت أمورهما عن الخطب
  قد جاءكم بالخيل شازبة(١) ... ينقلن نحوكم رحى الحرب
  لم يبق إلا أن تدور بكم ... قد قام هاديها على القطب
  قال: فأمر له بصلة ليست بالسّنيّة، وقال له: دائم القليل خير من منقطع الكثير، فقال له: ونزره(٢) أكثر من جزيل غيره، فأمر له بمثلها، قال: وكان يجري عليه في كلّ جمعة مائة دينار مدة مقامه ببابه.
  إسحاق الموصلي ينشد له قصيدة في الخمر أمام الرشيد وجعفر بن يحيى
  أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد، قال: حدثني الفضل بن محمد اليزيديّ، قال: حدثنا إسحاق الموصليّ، قال:
  دخلت إلى الرّشيد يوما، وهو يخاطب جعفر بن يحيى بشيء لم أسمع ابتداءه، وقد علا صوته، فلما رآني مقبلا قال لجعفر بن يحيى: أترضى بإسحاق؟ قال جعفر: واللَّه ما في علمه مطعن إن أنصف، فقال لي: أيّ شيء تروي للشعراء المحدثين(٣) في الخمر؟ أنشدني من أفضل ما عندك وأشدّه تقدّما، فعلمت أنهما كانا يتماريان في تقديم أبي نواس، فعدلت عنه إلى غيره؛ لئلا أخالف أحدهما، فقلت: لقد أحسن أشجع في قوله:
  وقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم(٤)
  يتمايلون على النعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلَّم
  وسعى بها الظَّبي العزير يزيدها ... طيبا ويغشمها إذا لم تغشم(٥)
  والليل منتقب بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم(٦)
  فإذا أدارتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم
  وعلى بنان مديرها عقيانة ... من سكبها وعلى فضول المعصم
(١) في ب، س: شارية. وفي «المختار»: شازية. وفي ما: شاربة. وما أثبتناه من ف. والمعنى: ضامرة يابسة.
(٢) في س: ونزر الوزير.
(٣) في ب، س: «أي شيء تروي الشعراء المحدثون في الخمر».
(٤) الغطارف: السادة الأشراف.
(٥) تغشم: تظلم.
(٦) الأرثم من الخيل: ما كان في طرف أنفه بياض أو كان أبيض الشفة العليا.