أخبار ابن عائشة ونسبه
  بنفسي من تذكَّره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء
  السانح: ما أقبل من شمالك يريد يمينك، والبارح ضدّه. وقال أبو عبيدة: سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح، فقال: السانح: ما ولَّاك ميامنه، والبارح: ما ولَّاك مشائمه. وقوله: أجيزي أي انفذي. قال الأصمعيّ: يقال: أجزت الوادي إذا قطعته وخلَّفته، وجزته أي سرت فيه فتجاوزته، وجاوزته مثله. قال أوس بن مغراء:
  ولا يريمون في التعريف موقفهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا(١)
  ومشمولة: سريعة(٢) الانكشاف. أخذه من السحابة المشمولة، وهي التي تصيبها الشّمال فتكشفها، ومن شأن الشمال أن تقطع السحاب، واستعارها ها هنا في النّوى لسرعة انكشافهم فيها عن بلدهم، وأجرى ذلك مجرى الذمّ للسانح لأنه يتشاءم به. البيت الأوّل من الشعر لزهير بن أبي سلمى، والثاني محدث ألحقه المغنّون به لا أعرف قائله. والغناء لابن عائشة، ولحنه خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
  غنى الوليد بحضرة معبد ومالك فطرب الوليد من غنائه
  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق وأخبرني به محمد(٣) بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية قال:
  / كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر: أما بعد، فإذا قرأت كتابي هذا فسرّح إليّ حمّادا الرواية على ما أحبّ من دوابّ البريد، وأعطه عشرة آلاف درهم يتهيّأ بها. قال: فأتاه الكتاب وأنا عنده فنبذه إليّ، فقلت:
  السمع والطاعة، فقال: يا دكين، مر شجرة يعطيه عشرة آلاف درهم، فأخذتها. فلما كان اليوم الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف بن عمر، فقال: يا حمّاد، أنا بالموضع الذي قد عرفته من أمير المؤمنين، ولست مستغنيا عن ثنائك؛ فقلت: أصلح اللَّه الأمير «إن العوان(٤) لا تعلَّم الخمرة» وسيبلغك قولي وثنائي. فخرجت حتى انتهيت إلى الوليد وهو بالبخراء(٥)، فاستأذنت عليه فأذن لي، فإذا هو على سرير ممهّد، وعليه ثوبان أصفران: إزار ورداء يقيئان الزّعفران قيئا، وإذا عنده معبد ومالك بن أبي السّمح وأبو كامل مولاه، فتركني حتى سكن جأشي، ثم قال أنشدني:
  أمن المنون وريبها تتوجّع
  فأنشدته حتى أتيت على آخرها؛ فقال لساقيه: يا سبرة اسقه، فسقاني ثلاثة أكؤس خثّرن(٦) ما بين الذّؤابة والنعل. ثم قال يا مالك، غنّني:
(١) كذا في أغلب النسخ و «اللسان» مادة ريم. وفي ب س: «صفوان» بغير ألف الاطلاق.
(٢) فسره في «اللسان» في مادة سنح وشمل بأنه أخذ بها ذات الشمال.
(٣) كذا في أ، م. وفي باقي النسخ: «محمد بن جرير» والمؤلف يروي عن محمد بن جرير كما يروي عن محمد بن مزيد، ولكن النسخ، اتفقت فيما سيأتي على ذكر هذا الذي يروي عنه المؤلف وعن الحسين بن يحيى عن حماد باسم محمد بن مزيد.
(٤) العوان من النساء: التي قد كان لها زوج، وقيل هي النصف في سنها أو هي الثيب. والخمرة: الهيئة من الاختمار أي لبس الخمار.
وهذا مثل يضرب للمجرّب الذي يعرف أمره ولا يحتاج إلى أن يعلم كيف يفعل.
(٥) هي أرض بالشأم كما في «معجم ما استعجم» للبكريّ. وقال ياقوت في «معجم البلدان»: هي ماءة منتنة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز، وذكر قصة يستفاد منها أن الوليد بن يزيد قتل وهو نازل بالبخراء.
(٦) خثرن: جعلنه خاثرا فاترا منكسرا.