كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 428 - الجزء 18

  / قال: وقال عبّاد لحاجبه: ما أرى هذا - يعني ابن مفرّغ - يبالي بالمقام في الحبس، فبع فرسه وسلاحه وأثاثه، واقسم ثمنها بين غرمائه، ففعل ذلك وقسم الثّمن بينهم، وبقيت عليه بقيّة حبسه بها. فقال ابن مفرّغ يذكر غلامه بردا وجاريته الأراكة وبيعهما:

  شريت بردا ولو ملَّكت صفقته ... لما تطلَّبت في بيع له رشدا

  لولا الدّعيّ ولولا ما تعرّض لي ... من الحوادث ما فارقته أبدا

  يا برد ما مسّنا برد⁣(⁣١) أضرّ بنا ... من قبل هذا ولا بعنا له ولدا⁣(⁣٢)

  أمّا الأراك فكانت من محارمنا ... عيشا لذيذا وكانت جنّة رغدا

  كانت لنا جنّة كنّا نعيش بها ... نغنى بها إن خشينا الأزل والنّكدا⁣(⁣٣)

  يا ليتني قبل ما ناب الزّمان به ... أهلي لقيت على عدوانه الأسدا⁣(⁣٤)

  قد خاننا زمن لم نخش عثرته⁣(⁣٥) ... من يأمن اليوم أم من ذا يعيش غدا!

  لامتني النّفس في برد فقلت لها ... لا تهلكي إثر برد هكذا كمدا

  كم من نعيم أصبنا من لذاذته ... قلنا له إذ تولَّى ليته خلدا

  خروجه من السجن وهروبه إلى البصرة

  قالوا: وعلم ابن مفرّغ أنه إن أقام على ذمّ عبّاد وهجائه وهو في محبسه زاد نفسه شرّا؛ فكان يقول للنّاس إذا سألوه عن حبسه ما سببه: رجل أدّبه أميره ليقوّم من أوده، أو يكفّ من غربه⁣(⁣٦)، وهذا لعمري خير من جرّ الأمير ذيله على مداهنة لصاحبه، فلما بلغ عبّادا قوله⁣(⁣٧) رقّ له وأخرجه من السّجن، / فهرب حتى أتى البصرة، ثم خرج منها إلى الشّام وجعل ينتقل في مدنها هاربا ويهجو زيادا وولده.

  وقال المدائنيّ في خبره:

  لمّا بلغ عبّاد بن زياد أنّ ابن المفرّغ قال:

  سبق عبّاد وصلَّت لحيته

  هجاء في ابن مفرغ ينشده ابنه في مجلس عباد

  دعا ابنه والمجلس حافل فقال له: أنشدني هجاء أبيك الذي هجي به، فقال: أيّها الأمير، ما كلَّف أحد قطَّ ما كلَّفتني، فأمر غلاما له أعجميّا وقال له: قم على رأسه، فإن أنشد ما أمرته به وإلا فصبّ السّوط على رأسه أبدا أو ينشده، فأنشده أبياتا هجي بها أبوه أولها:


(١) ف، و «رغبة الآمل» ٢/ ٧٠: «دهر».

(٢) ف: «ولا بعنا لنا ولدا».

(٣) الأزل: الضيق والشدة.

(٤) ف:

«لقيت أهل على عدوانه الأسدا»

(٥) ف: «عبرته».

(٦) ف: «ويكف من غربه».

(٧) ب: «فلما بلغ ذلك عبادا من قوله».