أخبار ابن مفرغ ونسبه
  أنّ لي بيزيد ملء الغوطة مثلك. وأما قولك: إنكم ولَّيتموني فما عزلتموني، فما ولَّيتموني، وإنما ولَّاني من هو خير منكم عمر، فأقررتموني، وما كنت بئس الوالي لكم، لقد قمت بثأركم، وقتلت / قتلة أبيكم، وجعلت الأمر فيكم، وأغنيت فقيركم، ورفعت الوضيع منكم، فكلَّمه يزيد في أمره فولَّاه خراسان.
  رجع الحديث إلى سياقة أخبار ابن مفرغ
  ينتقل في قرى الشام هاجيا بني زياد
  قالوا: فلم يزل ينتقل في قرى الشام ونواحيها، ويهجو بني زياد(١)، وأشعاره فيهم ترد البصرة وتنتشر وتبلغهم، فكتب عبيد اللَّه بن زياد إلى معاوية، وقال الآخرون: إنه كتب إلى يزيد وهو الصحيح، يقول له: إن ابن مفرّغ هجا زيادا وبنى زياد بما هتكه في قبره، وفضح بنيه طول الدهر، وتعدّى ذلك إلى أبي سفيان، فقذفه بالزنا وسبّ ولده، فهرب من خراسان إلى البصرة، وطلبته حتى لفظته الأرض، فلجأ إلى الشام يتمضّغ لحومنا بها، ويهتك أعراضنا، وقد بعثت إليك بما هجانا به لتنتصف لنا منه. ثم بعث بجميع ما قاله ابن مفرّغ / فيهم.
  فأمر يزيد بطلبه، فجعل ينتقل من بلد إلى بلد، فإذا شاع خبره انتقل حتى لفظته الشام، فأتى البصرة ونزل على الأحنف بن قيس، فالتجأ به واستجار، فقال له الأحنف: إني لا أجير على ابن سميّة(٢) فأعزل، وإنما يجير الرجل على عشيرته، فأما على سلطانه فلا، فإن شئت أجرتك من بني سعد وشعرائهم، فلا يريبك أحد منهم، فقال له ابن مفرّغ: بأستاه بني سعد(٣) وما عساهم أن يقولوا فيّ؟ هذا ما لا حاجة لي فيه.
  ثم أتى خالد بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد فاستجار به، فأبى أن يجيره، فأتى عمر بن عبيد اللَّه بن معمر فوعده، وأتى طلحة الطَّلحات فوعده، وأتى المنذر بن الجارود العبديّ فأجاره؛ وكانت بحريّة بنت المنذر تحت عبيد اللَّه.
  المنذر بن الجارود العبدي يجيره
  وكان المنذر من أكرم النّاس عليه، فاغترّ بذلك وأدلّ بموضعه منه، وطلبه عبيد اللَّه وقد بلغه وروده البصرة فقيل له: أجاره المنذر بن الجارود، فبعث عبيد اللَّه إلى المنذر فأتاه، فلما دخل عليه بعث عبيد اللَّه بالشرط، فكبسوا داره(٤) وأتوه بابن مفرّغ، فلم يشعر المنذر إلا بابن مفرّغ قد أقيم على رأسه، فقام المنذر إلى عبيد اللَّه بالشرط، فكبسوا داره(٤) وأتوه بابن مفرّغ، فلم يشعر المنذر إلا بابن مفرّغ قد أقيم على رأسه، فقام المنذر إلى عبيد اللَّه فكلَّمه فيه فقال: أذكَّرك اللَّه - أيّها الأمير - أن تخفر(٥) جواري فإني قد أجرته، فقال عبيد اللَّه: يا منذر ليمدحنّ أباك وليمدحنّك، ولقد هجاني وهجا أبي ثم تجيره عليّ، لا ها اللَّه(٦) لا يكون ذلك أبدا، ولا أغفرها له، فغضب المنذر، فقال له: لعلك تدلّ بكريمتك عندي، إن شئت واللَّه لأبيننّها بتطليق البتّة، فخرج المنذر من عنده، وأقبل عبيد اللَّه على ابن مفرّغ فقال له: بئسما صحبت به عبّادا. قال: بئسما صحبني به عبّاد، اخترته على سعيد وأنفقت
(١) ف: «ويهجو ابني زياد».
(٢) ف: «بني سمية».
(٣) ب، مد، ما: «يا أستاذ بنو سعد».
(٤) كبسوا داره: هجموا عليه فجأة واحتاطوها.
(٥) ب: «ألَّا تخفر». يقال: خفره: أجاره وحماه، وحفره أيضا: نقض عهده وغدر به.
(٦) لاها اللَّه، أي لا واللَّه.