كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 431 - الجزء 18

  على صحبته كلّ ما أفدته وكلّ ما أملكه،⁣(⁣١) وظننت أنه لا يخلو من عقل زياد وحلم معاوية وسماحة قريش، فعدل عن ظنّي كله⁣(⁣١). ثم عاملني بكل قبيح، وتناولني بكلّ مكروه، من حبس وغرم وشتم وضرب، فكنت كمن شام برقا خلَّبا في سحاب جهام، فأراق ماءه طمعا فيه فمات عطشا، وما هربت من أخيك إلا لمّا خفت من أن يجري فيّ إلى ما يندم عليه، وقد صرت الآن في يدك، فشأنك فاصنع بي ما أحببت، فأمر بحبسه.

  عبيد اللَّه يستأذن يزيد بن معاوية في قتله

  وكتب إلى يزيد بن معاوية يسأله أن يأذن له في قتله، فكتب إليه: إيّاك وقتله، ولكن عاقبهه بما ينكَّله ويشدّ سلطانك، ولا تبلغ نفسه، فإنّ له عشيرة هي جندي وبطانتي، ولا ترضى بقتله منّي، ولا تقنع إلا بالقود / منك، فاحذر ذلك، واعلم أنّه الجدّ منهم ومني، وأنك مرتهن بنفسه، ولك في دون تلفها مندوحة تشفي من الغيظ. فورد الكتاب على عبيد اللَّه بن زياد، فأمر بابن مفرّغ فسقي نبيذا حلوا قد خلط معه الشّبرم⁣(⁣٢) فأسهل بطنه، وطيف به وهو في تلك الحال، وقرن بهرّة وخنزيرة، فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ويقولون له بالفارسية:

  اين چيست؟ فيقول:

  آبست نبيذ است ... عصارات زبيست

  سميّة روسبيد است⁣(⁣٣)

  :

  وجعل كلما جرّ الخنزيرة ضجت، فجعل يقول:

  ضجّت سميّة لما لزّها⁣(⁣٤) قرني ... لا تجزعي إنّ شرّ الشّيمة الجزع

  فجعل يطاف به في أسواق البصرة والصّبيان خلفه يصيحون به، وألح عليه ما يخرج منه حتى أضعفه فسقط، فعرف ابن زياد ذلك، فقيل: إنه لما به لا نأمن أن يموت، فأمر به أن يغسل، ففعلوا ذلك به، فلما اغتسل قال:

  /

  يغسل الماء ما فعلت وقولي ... راسخ منك في العظام البوالي

  عبد اللَّه يرده إلى الحبس

  فردّه عبيد اللَّه إلى الحبس، وأمر بأن يسلم محجما وقدّموا له علوجا، وأمر بأن يحجمهم، فكان يأخذ المشارط فيقطع بها رقابهم فيتوارون⁣(⁣٥) منه، فتركه وردّه إلى محبسه، وقامت الشّرط على رأسه تصبّ عليه السياط ويقولون له: احجمهم، فقال:

  /

  وما كنت حجّاما ولكني أحلَّني ... بمنزلة الحجّام نأيي عن الأهل⁣(⁣٦)


(١ - ١) التكملة من «المختار»، ف.

(٢) الشبرم: نبات له حب كالعدس مسهل.

(٣) هذه أبيات بالفارسية وردت في «الطبري» ٦/ ١٧٧ وقد كثر فيها التحريف. والمعنى: الأولاد يسألون: ما هذا؟ ويجيبهم ابن مفرغ:

هذا ماء نبيذ، هذه عصارة نبيذ، هذه سمية البغي.

(٤) لزها قرني: شدها وألزمها إياه.

(٥) ف: «فيهربون».

(٦) «المختار»: «عن الأصل».