كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 450 - الجزء 18

  ولم أسمع غناء من خليل ... وصوت مقرطق خلع العذارا⁣(⁣١)

  قال: فقدم البصرة فذكر لعبيد اللَّه بن زياد مقدمه، فلم يعرض له، وأرسل / إليه أن أقم آمنا، فأقام بالبصرة أشهرا يختلف من البصرة إلى الأهواز، فيزور أناهيد، ويقيم عندها.

  ثم أتى عبيد اللَّه بن زياد فقال له: إني امرؤ لي أعداء، ولست آمن بعضهم أن يقول شيئا على لساني يحفظ الأمير عليّ، وأحب أن يأذن لي أن أتنحّى عنه، فقال له: حلّ حيث شئت، فخرج حتى قدم على شريك بن الأعور الحارثيّ وهو يومئذ عامل عبيد اللَّه بن زياد على فارس وكرمان، فأعطاه ثلاثين ألف درهم، فقدم بها الأهواز فأعطاها أناهيد.

  ذهب إلى عبيد اللَّه بن أبي بكر فأعطاه وأكرمه

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، قال:

  حدثني محمد بن الحكم، عن عوانة:

  أنّ عبيد اللَّه بن أبي بكرة كتب إلى يزيد بن مفرّغ: إني قد توجهت إلى سجستان فالحق بي، فلعلك إن قدمت عليّ ألَّا تندم ولا يذمّ رأيك. فتجهّز ابن مفرّغ وخرج حتى قدم سجستان ممسيا، فدخل عليه فشغله بالحديث، وأمر له بمنزل⁣(⁣٢) وفرش وخدم، وجعل يطاوله حتى علم أنه قد استتمّ له ما أمر له به، ثم صرفه إلى المنزل الذي قد هيّئ له، ثم دعا به في اليوم الثاني فقال له: يا بن مفرّغ، إنّك قد تجشّمت إليّ شقّة بعيدة، واتّسع لك الأمل فرحلت إليّ لأقضي عنك دينك ولأغنيك عن الناس، وقلت: أبو حاتم بسجستان فمن لي بالغنى⁣(⁣٣) بعده! فقال: واللَّه ما أخطأت أيّها الأمير ما كان في نفسي، فقال عبيد اللَّه: أما واللَّه لأفعلنّ ولأقلَّنّ⁣(⁣٤) لبثك عندي، ولأحسننّ صلتك، وأمر له بمائة ألف درهم، ومائة وصيفة⁣(⁣٥) ومائة نجيبة، / وأمر له بما ينفقه إلى أن يبلغ بلده سوى المائة الألف، وبمن يكفيه الخدمة من غلمانه وأعوانه⁣(⁣٦)، وقال له: إن من خفّة السّفر ألَّا تهتمّ بخفّ ولا حافر، وكان مقامه عنده سبعة أيّام.

  ثم ارتحل وشيّعه عبيد اللَّه⁣(⁣٧) إلى قرية على أربعة فراسخ يقال لها: زالق، ثم قال له: يا بن مفرّغ، إنه ينبغي للمودّع أن ينصرف، وللمتكلَّم أن يسكت، وأنا من قد عرفت، فأبق على الأمل وحسن ظنّك بي ورجائك فيّ، وإذا بدا لك أن تعود فعد، والسلام.

  قال: وسار ابن مفرّغ حتى أتى رامهرمز، فنزل بقرية⁣(⁣٨) أبجر، فنزلت إليه بنت الأبجر فقالت: يا بن مفرّغ، لمن هذا المال؟ قال: لابنة أعنق دهقانة الأهواز، وإذا رسولها في القافلة بكتابها: إنك لو كنت على العهد الأول لتعجّلت إليّ ولم تساير ثقلك، ولكن قد علمت أن المال الذي أعطاكه عبيد اللَّه قد شغلك عنّي، / قال: فأعطى رسولها مالا على أن يقول فيه خيرا، وقد قال لابنة أبجر في جواب قولها له:


(١) ف: «وصوت مقصب خلع العذارا». والمقرطق: الذي يلبس القرطق؛ وهو قباء ذو طاق واحد (معرب).

(٢) ف: «وأمر له سرّا بمنزل وفرش».

(٣) ب: «بالغناء».

(٤) ب، مد: «ولأقيمن لبثك».

(٥) ف: «ومائة وصيفة ومائة وصيف، ومائة نحيبة ...».

(٦) ف: «من غلمانه ومواليه».

(٧) ف: «عبيد اللَّه بن أبي بكرة».

(٨) ف: «بقلعة أبجر».