أخبار ابن مفرغ ونسبه
  فقيل له: إنك مررت بابن مفرّغ ملزوما(١)، وقد مرّ به الأشراف فضمنوا عنه، فقال: وا سوأتاه! إنّي أخاف أن يظنّ أنّي تغافلت عنه، فكرّ راجعا، فوجده قاعدا، فقال له: أبا عثمان ما يجلسك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء يلزمونني، قال: / كم عليك؟ قال: سبعون ألفا، قال: وكم ضمن عنك؟ قال: أربعون ألفا، قال: فاستمتع بها وعليّ دينك أجمع، فقال فيه يخاطب نفسه:
  لو شئت لم تعني ولم تنصبي ... عشت بأسباب أبي حاتم
  عشت بأسباب الجواد الذي ... لا يختم الأموال بالخاتم
  من كفّ بهلول له عدّة(٢) ... ما إن لمن عاداه من عاصم
  المطعم النّاس إذ حاردت ... نكباؤها في الزّمن العارم(٣)
  والفاصل الخطة يوم اللَّجا ... للأمر عند الكربة اللَّازم
  جاورته حينا فأحمدته ... أثني وما الحامد كالَّلائم
  كم من عدوّ شامت كاشح ... أخزيته يوما ومن ظالم
  / أذقته الموت على غرّة ... بأبيض ذي رونق صارم
  بديح يغني شعرا لابن مفرغ فيصله ويكسوه
  أخبرني عمّي، قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
  قدم بديح(٤) الكوفة، فغنّى بها دهرا، وأصاب مالا كثيرا، ثمّ خرج إلى البصرة، ثمّ أتى الأهواز، ثمّ عاد إلى البصرة، فصحب ابن مفرّغ(٥) في سفينة حتى إذا كان في نهر معقل تغنّى وهو لا يعرف ابن مفرّغ بقوله:
  /
  سما برق الجمانة فاستطارا ... لعلّ البرق ذاك يعود نارا(٦)
  قال: فطرب ابن مفرّغ وقال: يا ملَّاح، كرّ بنا إلى الأهواز، فكرّ وهو يغنّيه، ثمّ كرّ راجعا إلى البصرة، وكرّوا معه، وهو يعيد هذا الصوت. قال: ووصل ابن مفرّغ بديحا(٧) وكساه.
  صوت
  رضيت الهوى إذ حلّ بي متخيّرا ... نديما وما غيري له من ينادمه
  أعاطيه كأس الصّبر بيني وبينه ... يقاسمنيها مرّة وأقاسمه
  يقال: إنّ الشّعر لبشّار، والغناء للزّبير بن دحمان، هزج بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن المكَّيّ.
(١) لزم المال فلانا: وجب عليه، فهو ملزوم.
(٢) البهلول: السيد الجامع لصفات الخير. وفي ب: «له غرّة».
(٣) حاردت السنة: قلّ مطرها. والنكباء: ريح انحرفت عن مهابّ الرياح. والزمن العارم: الشديد.
(٤) ب: «بدوي».
(٥) ف: «ابن مفرغ الحميري».
(٦) ف: «يحور نارا».
(٧) ب: «بدويا».