كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 453 - الجزء 18

  فقيل له: إنك مررت بابن مفرّغ ملزوما⁣(⁣١)، وقد مرّ به الأشراف فضمنوا عنه، فقال: وا سوأتاه! إنّي أخاف أن يظنّ أنّي تغافلت عنه، فكرّ راجعا، فوجده قاعدا، فقال له: أبا عثمان ما يجلسك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء يلزمونني، قال: / كم عليك؟ قال: سبعون ألفا، قال: وكم ضمن عنك؟ قال: أربعون ألفا، قال: فاستمتع بها وعليّ دينك أجمع، فقال فيه يخاطب نفسه:

  لو شئت لم تعني ولم تنصبي ... عشت بأسباب أبي حاتم

  عشت بأسباب الجواد الذي ... لا يختم الأموال بالخاتم

  من كفّ بهلول له عدّة⁣(⁣٢) ... ما إن لمن عاداه من عاصم

  المطعم النّاس إذ حاردت ... نكباؤها في الزّمن العارم⁣(⁣٣)

  والفاصل الخطة يوم اللَّجا ... للأمر عند الكربة اللَّازم

  جاورته حينا فأحمدته ... أثني وما الحامد كالَّلائم

  كم من عدوّ شامت كاشح ... أخزيته يوما ومن ظالم

  / أذقته الموت على غرّة ... بأبيض ذي رونق صارم

  بديح يغني شعرا لابن مفرغ فيصله ويكسوه

  أخبرني عمّي، قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:

  قدم بديح⁣(⁣٤) الكوفة، فغنّى بها دهرا، وأصاب مالا كثيرا، ثمّ خرج إلى البصرة، ثمّ أتى الأهواز، ثمّ عاد إلى البصرة، فصحب ابن مفرّغ⁣(⁣٥) في سفينة حتى إذا كان في نهر معقل تغنّى وهو لا يعرف ابن مفرّغ بقوله:

  /

  سما برق الجمانة فاستطارا ... لعلّ البرق ذاك يعود نارا⁣(⁣٦)

  قال: فطرب ابن مفرّغ وقال: يا ملَّاح، كرّ بنا إلى الأهواز، فكرّ وهو يغنّيه، ثمّ كرّ راجعا إلى البصرة، وكرّوا معه، وهو يعيد هذا الصوت. قال: ووصل ابن مفرّغ بديحا⁣(⁣٧) وكساه.

  صوت

  رضيت الهوى إذ حلّ بي متخيّرا ... نديما وما غيري له من ينادمه

  أعاطيه كأس الصّبر بيني وبينه ... يقاسمنيها مرّة وأقاسمه

  يقال: إنّ الشّعر لبشّار، والغناء للزّبير بن دحمان، هزج بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن المكَّيّ.


(١) لزم المال فلانا: وجب عليه، فهو ملزوم.

(٢) البهلول: السيد الجامع لصفات الخير. وفي ب: «له غرّة».

(٣) حاردت السنة: قلّ مطرها. والنكباء: ريح انحرفت عن مهابّ الرياح. والزمن العارم: الشديد.

(٤) ب: «بدوي».

(٥) ف: «ابن مفرغ الحميري».

(٦) ف: «يحور نارا».

(٧) ب: «بدويا».