كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مخارق وأخباره

صفحة 482 - الجزء 18

  العبّاس الرّبيعيّ، أنّه كان هو وابن جامع وإبراهيم الموصليّ وإسماعيل بن عليّ عند الرّشيد، ومعهم محمد بن داود بن عليّ، فغنّى المغنّون جميعا، ثم اندفع محمد بن داود فغنّاه:

  صوت

  أمّ الوليد سلمتني حلمي ... وقتلتني فتحلَّلي إثمي⁣(⁣١)

  باللَّه يا أمّ الوليد أما ... تخشين فيّ عواقب الظَّلم!

  وتركتني أبغي الطَّبيب وما ... لطبيبنا بالدّاء من علم⁣(⁣٢)

  قال: فاستحسنه الرّشيد وكلّ من حضر وطروا له، فسأله الرّشيد: عمّن أخذته، فقال: أخذته عن شهدة جارية الوليد بن يزيد، قال عبد اللَّه بن العبّاس، وهي أمّ عاتكة بنت شهدة.

  الأبيات المذكورة التي فيها الغناء لعبيد اللَّه بن قيس الرّقيّات، وتمامها:

  للَّه درّك في ابن عمّك قد ... زوّدته سقما على سقم

  في وجهها ماء الشّباب ولم ... تقبل بمكروه ولا جهم⁣(⁣٣)

  والغناء فيه لابن محرز لحنان، كلاهما له، أحدهما ثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل الأول بالبنصر عن / عمرو بن بانة، وفيه لمالك ثاني ثقيل عن الهشاميّ وحبش، وفيه لسليمان خفيف رمل بالبنصر عنهما، وثقيل أوّل للحسين بن محرز.

  الواثق يوازن بين جماعة من المغنين ويذكر أثر غناء مخارق

  وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيات، قال أبي:

  قال الواثق أمير المؤمنين: خطأ مخارق كصواب علَّوية، وخطأ إسحاق كصواب مخارق، وما غنّاني مخارق قطَّ إلا قدّرت أنّه من قلبي خلق، ولا غنّاني إسحاق إلا ظننت أنه قد زيد في ملكي ملك آخر.

  قال: وكان يقول: أتريدون أن تنظروا فضل مخارق على جميع أصحابه: انظروا إلى هؤلاء الغلمان الذين يقفون في السّماط. فكانوا يتفقّدونهم وهم وقوف، فكلهم يسمع الغناء من المغنين جميعا وهو واقف مكانه ضابط لنفسه، فإذا تغنّى مخارق خرجوا عن صورهم فتحرّكت أرجلهم ومناكبهم، وبانت أسباب الطَّرب فيهم، وازدحموا على الحبل الذي يقفون من ورائه.

  يستوقف الناس بحسن صوته في الأذان

  قال هارون: وحدّثت أنه خرج مرّة إلى باب الكناسة بمدينة السّلام، والنّاس يرتحلون⁣(⁣٤) للخروج إلى مكة،


(١) تحللي إثمي: أبيحيه أو اجعليه حلالا. وفي «الديوان» - ١٤٩ ط. بيروت: «فتحملي إثمي»، وفي ف: «فتجللي».

(٢) في «الديوان» - ١٤٩:

باللَّه يا أم البنين ألم ... تخشي عليك عواقب الإثم

وتركتني أدعو الطبيب وما ... لطبيبكم بالداء من علم

(٣) في «الديوان» - ١٥٠:

«وبوجهها ماء الشباب ولم ..... تقبل بملعون ولا جهم «

والجهم: الاستقبال بوجه كريه.

(٤) ف، مج: «يترحلون». وفي ما: «يرحلون».