كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مخارق وأخباره

صفحة 483 - الجزء 18

  فنظر إليهم واجتماعهم وازدحامهم⁣(⁣١)، فقال لأصحابه الذين خرجوا معه: قد جاء في الخبر أنّ ابن سريج كان يتغنّى في أيّام الحجّ، والنّاس بمنى فيستوقفهم بغنائه، وسأستوقف لكم هؤلاء الناس وأستلهيهم جميعا، لتعلموا أنه لم يكن ليفضلني إلا بصنعته دون صوته، ثم اندفع يؤذّن، فاستوقف أولئك الخلق واستلهاهم، حتى جعلت المحامل يغشى بعضها بعضا، وهو كالأعمى عنها لما خامر قلبه من الطَّرب لحسن ما يسمع.

  أبو العتاهية يعجب بغنائه إعجابا شديدا

  أخبرني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدثني ابن أخت الحاركيّ وأبو سعيد / الرّامهرمزيّ، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد الأزديّ⁣(⁣٢)، عن أحمد بن عيسى الجلوديّ عن محمد بن سعيد التّرمذيّ - وكان إسحاق إذا ذكر محمدا وصفه بحسن الصّوت، ثم قال: قد أفلتنا منه، فلو كان يغنّي لتقدّمنا جميعا بصوته - قالوا:

  جاء أبو العتاهية إلى باب مخارق فطرقه واستفتح⁣(⁣٣)، فإذا مخارق قد خرج إليه، فقال له أبو العتاهية:

  يا حسّان⁣(⁣٤) هذا الإقليم، يا حكيم أرض بابل، اصبب في أذني شيئا يفرح به قلبي، وتنعم به نفسي، فقال: انزلوا، فنزلنا، فغنّانا، قال محمد بن سعيد: فكدت أسعى على وجهي طربا. قال: وجعل أبو العتاهية يبكي، ثم قال له:

  يا دواء المجانين لقد رقّقت حتّى كدت أحسوك، فلو كان الغناء طعاما لكان غناؤك أدما، ولو كان شرابا لكان ماء الحياة.

  أبو العتاهية يشتهي سماعه حين حضرته الوفاة

  نسخت من كتاب ابن أبي الدّنيا، حدّثني بعض خدم السّلطان، قال:

  قال رجل لأبي العتاهية وقد حضرته الوفاة: هل في نفسك شيء تشتهيه؟ قال: أن يحضر مخارق الساعة فيغنّيني:

  سيعرض عن ذكري وتنسى مودّتي⁣(⁣٥) ... ويحدث بعدي للخليل خليل

  إذا ما انقضت عنّي من الدهر مدّتي ... فإن غناء الباكيات قليل

  سأل أبا العتاهية عن شعره في تبخيل الناس

  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة العلويّ، قال: حدّثنا علي بن الحسين بن الأعرابيّ، قال:

  لقي مخارق أبا العتاهية، فقال له: يا أبا إسحاق، أأنت القائل:

  /

  اصرف بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلَّا بخيلا

  قال له: نعم. قال: بخّلت الناس جميعا، قال: فاصرف بطرفك يا أبا المهنّأ فانظر فإنّك لن ترى إلَّا بخيلا،


(١) س: «فنظر إلى كثرتهم واجتماعهم وازدحامهم».

(٢) س: «محمد بن يزيد المبرد الأزدي».

(٣) ف: «إلى باب مخارق واستفتح».

(٤) حسن الشيء: جمل، فهو حاسن وحسن وحسين وحسّان.

(٥) ف، «المختار»: «ستعرض عن ذكري وتنسى مودتي» بالبناء للفاعل.