ذكر مخارق وأخباره
  وإلا فأكذبني بجواد واحد، فالتفت مخارق يمينا وشمالا ثم أقبل عليه فقال: صدقت يا أبا إسحاق، فقال له أبو العتاهية: فديتك، لو كنت ممّا يشرب لذررت على الماء وشربت.
  غنّى بين قبرين فترك الناس أعمالهم والتفوا حوله
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني بعض آل نوبخت، قال:
  كان أبي وعبد اللَّه بن أبي سهل وجماعة من آل نوبخت وغيرهم وقوفا بكناسة الدّوابّ في الجانب الغربيّ من بغداد يتحدّثون، فإنهم لكذلك إذ أقبل مخارق على حمار أسود، وعليه قميص رقيق ورداء مسهّم(١)، قال: فيم كنتم؟ فأخبروه، فقال: دعوني من وسواسكم هذا، أيّ شيء لي عليكم إن رميت بنفسي بين قبرين من هذه القبور وغطَّيت وجهي وغنّيت صوتا، فلم يبق أحد بهذه الكناسة ولا في الطَّريق من مشتر ولا بائع ولا صادر ولا وارد إلا ترك عمله وقرب منّي واتّبع صوتي؟ فقال له عبد اللَّه: إنّي لأحبّ أن أرى هذا، فقل ما شئت، فقال: فرسك الأشقر الذي طلبته منك فمنعتنيه، قال: هو لك إن فعلت ما قلت، ثمّ دخلها ورمى بنفسه بين قبرين وتغطَّى بردائه، ثمّ اندفع يغنّي فغنّى في شعر أبي العتاهية:
  نادت بوشك رحيلك الأيام ... أفلست تسمع أم بك استصمام!
  / قال: فرأيت الناس يتقوّضون إلى المقبرة أرسالا(٢) من بين راكب وراجل وصاحب شول وصاحب جدي(٣) ومارّ بالطريق، حتى لم يبق بالطريق أحد، ثم قال لنا من تحت ردائه: هل بقي أحد؟ قلنا: لا، وقد وجب الرّهن، فقام فركب حماره، وعاد النّاس إلى صنائعهم، فقال لعبد اللَّه: أحضر الفرس، فقال: على أن تقيم اليوم عندي، قال: نعم، فانصرفنا معهما، وسلَّم الفرس إليه وبرّه وأحسن إليه وأحسن رفده.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  نادت بوشك رحيلك الأيّام ... أفلست تسمع أم بك استصمام!
  ومضى أمامك من رأيت وأنت لل ... باقين(٤) حتّى يلحقوك إمام
  ما لي أراك كأنّ عينك لا ترى ... عبرا(٥) تمرّ كأنّهنّ سهام
  تمضي الخطوب وأنت منتبه لها ... فإذا مضت فكأنّها أحلام
  الشّعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى، وفيه لمخارق هزج بالوسطى، كلاهما عن عمرو، وفيه رمل يقال: إنه لعلَّوية، ويقال: إنه لمخارق عن الهشاميّ.
(١) سهّم الثوب: صور فيه سهاما؛ فهو مسهّم.
(٢) يتقوضون: يجيئون ويذهبون، وفي «المختار»: «ينفضون». والأرسال جمع رسل: الجماعة من الناس.
(٣) ما، «المختار»: «وصاحب شوك وصاحب كرى». والشول جمع شائلة على غير قياس، وهي من الإبل: التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها.
(٤) ف: «وأنت في الباقين».
(٥) ف: «عيرا».