ذكر مخارق وأخباره
  بكى أبو العتاهية حين سمع جارية تغني لحنا لمخارق في شعر له
  أخبرني جحظة، قال: ذكر ابن المكَّيّ المرتجل عن أبيه:
  أنّ أبا العتاهية دخل يوما إلى صديق له وعنده جارية تغنّي، فقال: / أبا إسحاق إن هذه الجارية تغنّي صوتا حسنا في شعر لك، أفتنشط إلى سماعه؟ قال: هاتيه، فغنّته لحنا لعمرو بن بانة في قوله:
  نادت بوشك رحيلك الأيّام
  فعبس وبسر وقال: لا جزى اللَّه خيرا من صنع هذه الصّنعة في شعري، قال: فإنّها تغنّي فيه لحنا لمخارق، قال: فلتغنّه فغنّته، فأعجبه وطرب حتى بكى ثم قال: جزى اللَّه هذا عنّي خيرا، وقام فانصرف.
  وقد روى هذا الخبر هارون بن الزّيات، عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، عن غزوان: أنه كان وعبيد اللَّه بن أبي غسّان، وأبو العتاهية، ومحمد بن عمرو الرّوميّ، عند ابن أبي مريم(١) ومعهم مغنّية يقال لها بنت إبليس، فغنّى عبيد اللَّه بن أبي غسّان في لحن مخارق:
  نادت بوشك رحيلك الأيّام
  فلم يستحسنه أبو العتاهية، ثمّ غنّى فيه لحنا لإبراهيم بن المهديّ فأطربه، وقال: جزى اللَّه عنّي هذا خيرا.
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: بلغني أنّ المتوكل دخل إلى جارية من جواريه وهي تغنّي:
  صوت
  أمن قطر النّدى نظَّم ... ت ثغرك أم من البرد!
  وريقك من سلاف الكر ... م أم من صفوة الشّهد!
  أيا من قد جرى منّي ... كمجرى الرّوح في الجسد(٢)
  ضميرك شاهدي فيما ... أقاسيه من الكمد
  / والغناء لمخارق رمل، فقال لها: ويحك، لمن هذا الغناء؟ فقالت: أخذته من مخارق، قال: فألقيه على الجواري جميعا، ففعلت، فلما أخذنه عنها أمر بإخراجهنّ إليه، ودعا بالنّبيذ، وأمر بألَّا يغنّينه غيره ثلاثة أيام متوالية، وكان ذلك بعد وفاة مخارق.
  أدخل أبا المضاء الأسدي بيته وسقاه وغنّاه وكساه فقال فيه شعرا
  وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: قال عمر بن نوح بن جرير:
  سألت أبا المضاء الأسديّ أن ينشدني فقال: أنشدك من شعري شيئا، قلته لرجل لقيته على الجسر ببغداد، فأعجبه مني ما يرى من دماثتي، وأقبلت أحدّثه وهو ينصت لي، وأنشده وهو يحسن الإصغاء إلى إنشادي، ويحدّثني فيحسن الحديث، حتى بلغنا منزله، فأدخلني فغدّاني ثم لم يرم حتى كساني وسقاني فروّاني، ثم أسمعني واللَّه شيئا
(١) ف: «عند ابن أبي موسى».
(٢) ف: «في جسدي».