كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي محجن ونسبه

صفحة 12 - الجزء 19

  وقد أجود وما لي بذي فنع ... وقد أكرّ وراء المحجر البرق⁣(⁣١)

  والقوم أعلم أني من سراتهم ... إذا سما بصر الرّعديدة الشّفق⁣(⁣٢)

  قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم ... وقد يثوب⁣(⁣٣) سوام العاجز الحمق

  سيكثر المال يوما بعد قلَّته ... ويكتسي العود بعد اليبس بالورق

  فقال معاوية: لئن كنا أسأنا لك القول لنحسننّ لك الصّفد⁣(⁣٤)، ثم أجزل جائزته وقال: إذا ولدت النّساء فلتلد مثلك!.

  عمر بن الخطاب يحده وجماعة من أصحابه في شربهم الخمر

  أخبرني الحسن بن عليّ وعيسى بن الحسين الورّاق، قالا: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني صالح بن عبد الرّحمن الهاشميّ، عن العمريّ، عن العتبيّ، قال: أتي عمر بن الخطاب ¥ بجماعة فيهم أبو محجن الثقفيّ وقد شربوا الخمر، فقال: أشربتم الخمر بعد أن حرّمها اللَّه ورسوله، فقالوا: ما حرّمها اللَّه ولا رسوله؛ إن اللَّه تعالى يقول: / {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}⁣(⁣٥)؛ فقال عمر لأصحابه: ما ترون فيهم؟ فاختلفوا فيهم فبعث إلى عليّ بن أبي طالب # فشاوره؛ فقال عليّ: إن كانت هذه الآية كما يقولون فينبغي أن يستحلَّوا الميتة والدّم ولحم الخنزير؛ فسكتوا، فقال عمر لعليّ: ما ترى فيهم؟ قال: أرى إن كانوا شربوها مستحلَّين لها أن يقتلوا، وإن كانوا شربوها وهم يؤمنون أنها حرام أن يحدّوا، فسألهم؛ فقالوا: واللَّه ما شككنا في أنها حرام، ولكنا قدّرنا أن لنا نجاة فيما قلناه، فجعل يحدّهم رجلا رجلا، وهم يخرجون حتى انتهى إلى أبي محجن، فلما جلده أنشأ يقول:

  ألم تر أنّ الدهر يعثر بالفتى ... ولا يستطيع المرء صرف المقادر

  صبرت⁣(⁣٦) فلم أجزع ولم أك كائعا ... لحادث دهر في الحكومة جائر

  وإني لذو صبر وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر

  رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلَّانها يبكون حول المعاصر

  فلما سمع عمر قوله:

  ولست عن الصّهباء يوما بصابر

  قال: قد أبديت ما في نفسك ولأزيدنّك عقوبة لإصرارك على شرب الخمر؛ فقال له عليّ #:

  ما ذلك لك، وما يجوز أن تعاقب رجلا قال: لأفعلنّ وهو لم يفعل، وقد قال اللَّه في سورة الشعراء: {وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا


(١) في ما، ف: «وقد أكر وراء المحجر الفرق». والفنع: الكثرة، والمحجر: المغطى المستور. والبرق: الدهش المتحير حتى لا يطرف.

(٢) في الشعر والشعراء - ٣٨٨ ط. الحلبي، والخزانة ٣ - ٥٥٥:

«إذا تطيش يد الرعديدة الفرق»

والرعديدة: الجبان يرعد عند القتال.

(٣) يثوب: يجتمع. وفي شرح شواهد المغني - ٣٨:

«وقد يثوب الغنى للحاجز الحمق»

(٤) الصفد: العطاء.

(٥) سورة المائدة، الآية: ٩٣.

(٦) في ف، ما: «ضربت» بدل «صبرت». والكائع: الجبان الهياب.