أخبار زهير بن جناب ونسبه
  قومه حتى غزا غطفان؛ فقاتلهم فظفر بهم زهير وأصاب حاجته فيهم، وأخذ فارسا منهم أسيرا في حرمهم الَّذي بنوه، فقال لبعض أصحابه: اضرب رقبته، فقال: إنّه بسل(١)، فقال زهير: وأبيك ما بسل عليّ بحرام.
  ثم قام إليه فضرب عنقه وعطَّل ذلك الحرم؛ ثم منّ على غطفان وردّ النّساء واستاق الأموال؛ وقال زهير في ذلك:
  ولم تصبر لنا غطفان لمّا ... تلاقينا وأحرزت النّساء
  فلو لا الفضل منّا ما رجعتم ... إلى عذراء شيمتها الحياء
  وكم غادرتم بطلا كميّا(٢) ... لدى الهيجاء كان له غناء
  فدونكم ديونا فاطلبوها ... وأوتارا ودونكم اللَّقاء
  فإنّا حيث لا نخفي عليكم ... ليوث حين يحتضر اللَّواء(٣)
  فخلَّى بعدها غطفان بسّا ... وما غطفان والأرض الفضاء!
  / فقد أضحى لحيّ بني جناب ... فضاء الأرض والماء الرّواء(٤)
  ويصدق طعننا في كلّ يوم ... وعند الطَّعن يختبر اللَّقاء
  نفينا نخوة الأعداء عنّا ... بأرماح أسنّتها ظماء
  ولولا صبرنا يوم التقينا ... لقينا مثل ما لقيت صداء
  غداة تعرّضوا لبني بغيض ... وصدق الطَّعن للنّوكى(٥) شفاء
  وقد هربت حذار الموت قين ... على آثار من ذهب العفاء
  وقد كنّا رجونا أن يمدّوا ... فأخلفنا من أخوتنا الرّجاء
  وألهى القين عن نصر الموالي ... حلاب النّيب والمرعى الضّراء(٦)
  طعنه ابن زيّابة وظن أنه مات فحمل إلى قومه وعوفي
  وقال أبو عمرو الشّيباني: كان أبرهة حين طلع نجدا أتاه زهير بن جناب، فأكرمه أبرهة وفضّله على من أتاه من العرب، ثم أمّره على ابني وائل: تغلب وبكر، فوليهم حتى(٧) أصابتهم سنة شديدة، فاشتدّ عليهم ما يطلب منهم زهير، فأقام بهم زهير في الجدب، ومنعهم من النّجعة حتى يؤدّوا ما عليهم، فكادت مواشيهم تهلك. فلما رأى ذلك ابن زيّابة - أحد بني تيم اللَّه بن ثعلبة، وكان رجلا فاتكا - بيّت زهيرا(٨) وكان نائما في قبّة له من أدم، فدخل فألفى زهيرا نائما، وكان رجلا عظيم البطن، فاعتمد التّيميّ بالسّيف على بطن زهير حتى أخرجه من ظهره مارقا بين
(١) بسل: حرام.
(٢) في ف: «وكم غادرت من بطل كمي».
(٣) يحتضر: يحضر. وفي «مختار الأغاني»:
... حين يهتصر اللواء»
أي حين يسقط.
(٤) الماء الرواء: العذب أو الكثير.
(٥) النوكى جمع أنوك، وهو الأحمق أو العاجز الجاهل.
(٦) في مج:
«وألهى القين عن محض الموالي»
وفي ف: «جلاب النبت» بدل «حلاب النيب». والضراء: الشجر الملتف.
(٧) في ف: «حين أصابتهم».
(٨) بيت فلانا: أوقع به ليلا دون أن يعلم.