كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زهير بن جناب ونسبه

صفحة 16 - الجزء 19

  الصّفاق، وسلمت أعفاج بطنه⁣(⁣١)، وظنّ التّيميّ أنّه / قد قتله، وعلم زهير أنه قد سلم، فتخوّف أن يتحرّك فيجهز عليه، فسكت. وانصرف ابن زيّابة إلى قومه، فقال لهم: قد - واللَّه - قتلت زهيرا وكفيتكموه، فسرّهم ذلك. ولمّا علم زهير أنه لم يقدم عليه إلا عن ملأ من قومه بكر وتغلب - وإنما مع زهير نفر من قومه بمنزلة الشّرط - أمر زهير قومه فغيّبوه بين عمودين في ثياب ثم أتوا القوم فقالوا لهم: إنكم قد فعلتم بصاحبنا ما فعلتم، فأذنوا لنا في دفنه، ففعلوا.

  شعر ابن زيابة في نبوّ سيفه عنه

  فحملوا زهيرا ملفوفا في عمودين والثّياب عليه، حتى إذا بعدوا عن القوم أخرجوه فلفّفوه في ثيابه، ثم حفروا حفيرة وعمّقوا، ودفنوا فيها العمودين، ثم ساروا ومعهم زهير، فلمّا بلغ زهير أرض قومه جمع لبكر وتغلب الجموع، وبلغهم أنّ زهيرا حيّ، فقال ابن زيّابة:

  طعنة ما طعنت في غبش⁣(⁣٢) اللَّي ... ل زهيرا وقد توافى الخصوم

  حين تجبي له المواسم بكر ... أين بكر، وأين منها الحلوم!

  خانني السيف إذ طعنت زهيرا ... وهو سيف مضلَّل مشؤوم⁣(⁣٣)

  غزا بكرا وتغلب وشعره في ذلك

  قال: وجمع زهير بني كلب ومن تجمّع له من شذّاذ العرب والقبائل⁣(⁣٤)، ومن أطاعه من أهل اليمن، فغزا بكرا وتغلب ابني وائل، وهم على ماء يقال له الحبيّ⁣(⁣٥)، وقد كانوا نذروا⁣(⁣٦) به، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم انهزمت بكر وأسلمت بني تغلب، فقاتلت شيئا من قتال ثم انهزمت، وأسر كليب ومهلهل / ابنا ربيعة، واستيقت الأموال، وقتلت كلب في تغلب قتلى كثيرة، وأسروا جماعة من فرسانهم ووجوههم، وقال زهير بن جناب في ذلك:

  تبّا لتغلب أن تساق نساؤهم ... سوق الإماء إلى المواسم عطَّلا⁣(⁣٧)

  لحقت أوائل خيلنا سرعانهم⁣(⁣٨) ... حتى أسرن على الحبيّ مهلهلا

  إنّا - مهلهل - ما تطيش رماحنا ... أيام تنقف⁣(⁣٩) في يديك الحنظلا

  ولَّت حماتك هاربين من الوغى ... وبقيت في حلق الحديد مكبّلا

  فلئن قهرت لقد أسرتك عنوة ... ولئن قتلت لقد تكون مؤمّلا⁣(⁣١٠)


(١) الصفاق: الجلد الباطن تحت الجلد الظاهر. والأعفاج: جمع عفج، وهي معي الإنسان.

(٢) في المختار: «في غلس الصبح». وفي الشعر والشعراء - ٣٣٩ ط. الحلبي: «غبس الليل»، وكلها بمعنى الظلمة.

(٣) في «الشعر والشعراء» - ٣٣٩:

«خانني الرمح ..... وهو رمح ... «

(٤) ف، المختار: «من شذاذ القبائل».

(٥) في ما: «الجبيّ». وفي المختار: «الحنيّ» وكلاهما «تصحيف»، وحبيّ: موضع بتهامة.

(٦) نذروا به: علموا به فحذروه واستعدوا له.

(٧) ف، ما: «إذ تساق». وعطل: بدون حلي.

(٨) سرعان الخيل: أوائلها.

(٩) ف، المختار: «ينبت في يديك». وتنقف الحنظلّ: تشقّه.

(١٠) س، ف: «مرملا»، والمرمل: المطلخ بالدم.