كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن وهيب

صفحة 53 - الجزء 19

  تحكي⁣(⁣١) أفاعيله في كل نائبة ... الغيث والليث والصّمصامة الذّكر

  فأمر بإدخاله وأحسن جائزته.

  رجع الحديث عن صلته بالحسن بن رجاء

  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد بن مروان بن موسى قال:

  حدّثني محمد بن وهيب الشاعر قال:

  لما تولَّى الحسن بن رجاء بن أبي الضّحاك الجبل قلت فيه شعرا وأنشدته أصحابنا دعبل بن عليّ وأبا سعد المخزوميّ، وأبا تمام الطائيّ، فاستحسنوا الشعر وقالوا: هذا لعمري من الأشعار الَّتي تلقى بها الملوك، فخرجت إلى الجبل فلما صرت إلى همذان أخبره الحاجب بمكاني فأذن لي فأنشدته الشعر فاستحسن منه قولي:

  أجارتنا إنّ التّعفّف بالياس ... وصبرا على استدرار دنيا بإبساس⁣(⁣٢)

  حريّان ألَّا يقذفا بمذلة ... كريما وألَّا يحوجاه إلى الناس

  أجارتنا إنّ القداح كواذب ... وأكثر أسباب النّجاح مع الياس

  فأمر حاجبه بإضافتي فأقمت بحضرته كلما دخلت إليه لم أنصرف إلا بحملان أو خلعة أو جائزة حتى انصرم الصّيف فقال لي: يا محمد إن الشتاء عندنا علج⁣(⁣٣) فأعدّ يوما للوداع. فقلت: خدمة الأمير أحبّ إليّ، فلما كاد الشتاء أن يشتدّ قال لي: هذا أوان⁣(⁣٤) الوداع، فأنشدني الثلاثة الأبيات فقد فهمت الشعر كله، فلما أنشدته:

  /

  أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النّجاح مع الياس

  قال: صدقت، ثم قال: عدّوا أبيات القصيدة فأعطوه لكل بيت ألف درهم، فعدّت فكانت اثنين وسبعين بيتا، فأمر لي باثنين وسبعين ألف درهم، وكان فيما أنشدته في مقامي واستحسنه قولي:

  صوت

  دماء المحبّين لا تعقل⁣(⁣٥) ... أما في الهوى حكم يعدل!

  تعبّدني حور الغانيات ... ودان الشباب له الأخطل⁣(⁣٦)

  ونظرة عين تعلَّلتها ... غرارا كما ينظر الأحول

  مقسّمة بين وجه الحبيب ... وطرف الرقيب متى يغفل


(١) انظر ص ٧٣.

(٢) الإبساس: التصويت للناقة بلطف لتسكن وتدرّ.

(٣) في مي: «صعب». والعلج: الشديد.

(٤) مي: «يوم الوداع».

(٥) لا تعقل: لا تدفع ديتها.

(٦) الأخطل: السريع الخفيف أو الأحمق.