أخبار محمد بن وهيب
  وما زلت أسترعي(١) لك اللَّه غائبا ... وأظهر إشفاقا عليك وأكتم
  وأعلم أنّ الجود ما غبت غائب ... وأنّ النّدى في حيث كنت مخيّم(٢)
  إلى أن زجرت الطير سعدا سوانحا ... وحمّ لقاء بالسّعود ومقدم
  وظلّ يناجيني بمدحك خاطر(٣) ... وليلي ممدود الرّواقين أدهم
  وقال: طواه الحجّ فاخشع لفقده ... ولا عيش حتى يستهلّ المحرّم
  سيفخر ما ضمّ الحطيم وزمزم ... بمطَّلب لو أنه يتكلَّم
  وما خلقت إلا من الجود كفّه ... على أنها والبأس خدنان توأم
  أعدت إلى أكناف مكة بهجة ... خزاعيّة كانت تجلّ وتعظم
  ليالي سمّار الحجون إلى الصّفا ... خزاعة إذ خلَّت لها البيت جرهم
  ولو نطقت بطحاؤها وحجونها ... وخيف منّى والمأزمان(٤) وزمزم
  إذا لدعت(٥) أجزاء جسمك كلها ... تنافس في أقسامه لو تحكَّم
  ولو ردّ مخلوق إلى بدء خلقه ... إذا كنت جسما بينهن تقسّم
  / سما بك منها كل خيف فأبطح ... نما بك(٦) منه الجوهر المتقدّم
  وحنّ إليك الركن حتى كأنّه ... وقد جئته خلّ عليك مسلَّم
  قال: فوصله صلة سنية وأهدى له هدية حسنة من طرف ما قدم به وحمله، واللَّه أعلم.
  مدح الحسن بن سهل فأطربه ولم يقصد غيره إلى أن مات
  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني الحسن بن الحسن بن رجاء، عن أبيه وأهله، / قالوا:
  كان محمد بن وهيب الحميريّ لمّا قدم المأمون من خراسان مضاعا مطَّرحا، إنما يتصدى للعامة وأوساط الكتّاب(٧) والقوّاد بالمديح ويسترفدهم فيحظى باليسير، فلما هدأت الأمور واستقرّت واستوسقت جلس أبو محمد الحسن بن سهل يوما منفردا بأهله وخاصّته وذوي مودّته ومن يقرب من أنسه، فتوسل إليه محمد بن وهيب بأبي حتى أوصله مع الشعراء، فلما انتهى إليه القول استأذن في الإنشاد فأذن له، فأنشده قصيدته الَّتي أولها:
  ودائع أسرار طوتها السرائر ... وباحت بمكتوماتهنّ النّواظر
  ملكت بها(٨) طيّ الضمير وتحته ... شبالوعة عضب الغرارين باتر
(١) ب: «أستدعي» وأسترعي لك اللَّه: أطلب منه أن يرعاك.
(٢) ب:
«في حيث أنت مخيم»
(٣) ب: «خاطري».
(٤) المأزمان: موضع بمكة بين المشعر الحرام ومكة.
(٥) ف:
«إذا لادعت ..... تنافس في أحكامها «
(٦) ف:
«نصابك منه»
(٧) مي: «وأوساط الناس من الكتاب».
(٨) ف:
«تمكن في طي الضمير»
وفي المختار:
«ملكن إلى طي الضمير»