أخبار محمد بن وهيب
  اليوم أظهرت الدّنيا محاسنها ... للنّاس لما التقى المأمون والحسن
  قال: فلما جلسا سأله المأمون عنه فقال: هذا رجل من حمير، شاعر مطبوع، اتصل بي متوسلا إلى أمير المؤمنين وطالبا الوصول مع نظرائه، فأمر المأمون بإيصاله مع الشعراء، فلما وقف بين يديه، وأذن له في الإنشاد، أنشده قوله:
  طلان طال عليهما الأمد ... دثرا فلا علم ولا نضد
  / لبسا البلى فكأنّما وجدا ... بعد الأحبّة مثل ما أجد
  حيّيتما طللين، حالهما ... بعد الأحبّة غير ما عهدوا
  إمّا طواك(١) سلوّ غانية ... فهواك لا ملل ولا فند
  إن كنت صادقة الهوى فردي ... في الحبّ منهلي(٢) الَّذي أرد
  أدمي هرقت وأنت آمنة ... أم ليس لي عقل ولا قود(٣)؟
  إن كنت فتّ وخانني سبب ... فلربّما يخطئ(٤) مجتهد
  حتى انتهى إلى قوله في مدح المأمون:
  يا خير منتسب لمكرمة ... في المجد حيث تبحبح(٥) العدد
  في كل أنملة لراحته ... نوء يسحّ وعارض حشد(٦)
  / وإذا القنا رعفت أسنّته ... علقا وصمّ كعوبها قصد(٧)
  فكأنّ ضوء حبينه قمر ... وكأنّه في صولة أسد
  وكأنّه روح تدبّرنا ... حركاته وكأنّنا جسد
  المأمون يستشير فيه الحسن بن سهل ثم يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة
  فاستحسنها المأمون وقال لأبي محمد: احتكم له، فقال: أمير المؤمنين أولى بالحكم، ولكن إن أذن لي في المسألة سألت له، فأما الحكم فلا، فقال: سل، فقال: يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة، فقال: ذلك واللَّه أردت، وأمر بأن تعدّ أبيات قصيدته ويعطى لكل بيت ألف درهم، فعدّت فكانت خمسين، فأعطي خمسين ألف درهم.
  من مدائحه للمأمون
  قال الأصبهانيّ: وله في المأمون والحسن بن سهل خاصة مدائح شريفة نادرة، من عيونها قوله في المأمون في قصيدة أولها:
(١) في ف: «إن ماطلوك».
(٢) في مد: «منهلنا». وفي المختار ومعاهد التنصيص: «منهله».
(٣) لا عقل ولا قود أي لا دية ولا قصاص.
(٤) مد، ف:
«فلربما لم يحظ مجتهد»
(٥) في ب، المختار:
«حيث ينتج العدد»
(٦) النوء: المطر. والعارض: السحاب المعترض في الأفق. وحشد: لا ينقطع ماؤه.
(٧) العلق: القطعة من العلق للدم، والرمح الأصم: الصلب المتين، والقصد: جمع قصدة؛ وهي القطعة مما يكسر.