أخبار محمد بن وهيب
  ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج
  قصيدته في ابن عباد وزير المأمون حين أبعده
  قال الأصبهانيّ: وهذا الشعر لمحمد بن وهيب يقوله في ابن عبّاد وزير المأمون، وكان له صديقا، فلما ولي الوزارة اطَّرحه لانقطاعه إلى الحسن بن سهل فقال فيه قصيدة أوّلها:
  تكلَّم بالوحي البنان المخضّب ... وللَّه شكوى معجم كيف يعرب؟
  أإيماء أطراف البنان ووجهها ... أباتا له كيف الضّمير المغيّب؟
  وقد كان حسن الظَّنّ أنجب مرّة ... فأحمد عقبى أمره المتعقّب
  فلما تدبّرت الظَّنون(١) مراقبا ... تقلَّب حاليها إذا هي تكذب
  بدأت بإحسان فلما شكرته ... تنكَّرت لي حتى كأنّي مذنب
  وكلّ فتى يلقي الخطوب بعزمه ... له مذهب عمّن له عنه مذهب
  / وهل يصرع الحبّ الكريم وقلبه ... عليم بما يأتي وما يتجنّب
  تأنّيت حتى أوضح العلم أنّني ... مع الدهر يوما مصعد ومصوّب
  وألحقت أعجاز الأمور صدورها ... وقوّمها غمز القداح المقلَّب
  وأيقنت أن اليأس للعرض صائن ... وأن سوف أغضي للقذي حين أرغب
  أغادرتني بين الظَّنون مميّزا ... شواكل أمر بينهن مجرّب
  يقرّبني من كنت أصفيك دونه ... بودّي وتنأى بي فلا أتقرّب
  فللَّه حظَّي منك كيف أضاعه ... سلوّك عنّي والأمور تقلب
  أبعدك أستسقي بوارق مزنة ... وإن جاد هطَّل من المزن هيدب(٢)
  إذا ما رأيت البرق أغضيت دونه ... وقلت إذا ما لاح: ذا البرق خلَّب
  وإن سنحت لي فرصة لم أسامها ... وأعرضت عنها خوف ما أترقّب
  تأدّبت عن حسن الرّجاء فلن أرى ... أعود له إن الزّمان(٣) مؤدّب
  وقال له أيضا:
  هل الهمّ إلا كربة تتفرّج ... لها معقب تحدى إليه وتزعج(٤)
  وما الدّهر إلا عائد مثل سالف ... وما العيش إلا جدّة ثم تنهج(٥)
  وكيف أشيم البرق والبرق خلَّب ... ويطمعني ريعانه المتبلَّج(٦)
  / وكيف أديم الصبر لأبي ضراعة ... ولا الرّزق محظور ولا أنا محرج؟
(١) ف: «الأمور».
(٢) الهيدب: السحاب المتدلى الَّذي يدنو من الأرض ويرى كأنه خيوط عند انصبابه.
(٣) مي، مم: «الرجاء».
(٤) مي: «هل الدهر» بدل: «هل الهم».
(٥) المختار:
«وما الدهر إلا غابر»
الجدّة: الطريقة. وتنهج: تبلى.
(٦) المختار:
«ومطمعني إنعامه المتبلج»
والمبتلج: المنير.