كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن وهيب

صفحة 65 - الجزء 19

  ألا ربّما كان التّصبّر ذلَّة ... وأدنى إلى الحال الَّتي هي أسمج

  وهل يحمل الهمّ الفتى وهو ضامن ... سرى الليل رحّال العشيّات مدلج

  ولا صبر ما أعدى على الدّهر مطلب ... وأمكن إدلاج وأصحر منهج⁣(⁣١)

  ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج

  وقد يركب الخطب الَّذي هو قاتل ... إذا لم يكن إلا عليه معرّج

  مدح الأفشين فأجازه المعتصم

  حدثني بعض أصحابنا عن أحمد بن أبي كامل قال:

  كان محمد بن وهيب تيّاها شديد الذّهاب بنفسه، فلمّا قدم الأفشين - وقد قتل بابك - مدحه بقصيدته الَّتي أوّلها:

  طلول ومغانيها ... تناجيها وتبكيها

  يقول فيها:

  بعثت الخيل، والخير ... عقيد في نواصيها

  وهي من جيّد شعره، فأنشدناها ثم قال: ما لها عيب سوى أنها لا أخت لها.

  قال: وأمر المعتصم للشعراء الذين مدحوا الأفشين بثلاثمائة ألف درهم جرت تفرقتها على يد ابن أبي دواد، فأعطى منها محمد بن وهيب ثلاثين ألفا، وأعطى أبا تمّام عشرة آلاف درهم. قال ابن أبي كامل: فقلت لعليّ بن يحيى المنجّم: ألا تعجب من هذا الحظَّ؟ يعطى أبو تمام عشرة آلاف وابن وهيب ثلاثين ألفا، وبينهما كما بين السماء والأرض. / فقال: لذلك علَّة لا تعرفها؛ كان ابن وهيب مؤدّب الفتح بن خاقان، فلذلك وصل إلى هذه الحال.

  يذكر الدنيا ويصف حاله وهو عليل

  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ. قال: حدثني أبو زكوان، قال:

  حدثني من دخل إلى محمد بن وهيب يعوده وهو عليل قال: فسألته عن خبره فتشكَّى ما به ثم قال:

  نفوس المنايا بالنّفوس تشعّب ... وكلّ له من مذهب الموت مذهب

  نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدّنيا فنلهو ونلعب

  وآجالنا في كلّ يوم وليلة ... إلينا على غرّاتنا تتقرّب

  أأيقن أنّ الشيب ينعى حياته ... مدرّ لأخلاف الخطيئة مذنب

  يقين كأنّ الشّكّ أغلب أمره ... عليه وعرفان إلى الجهل ينسب

  وقد ذمّت الدّنيا إليّ نعيمها ... وخاطبني إعجامها وهو معرب


(١) البيت من نسختي مي، مم. وجاء مكان هذا البيت في المختار:

أبي لي إغضاء الجفون على القذى ... يقيني ألَّا عسر إلا سيفرج

وأصحر: اتسع.