كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أشعب وأخباره

صفحة 122 - الجزء 19

  وهذه عشرة دنانير، ولك حماري الَّذي / تحتي أحملك عليه، وصر إليّ ولك الشرط ألَّا ترى في داري سيفا، قال:

  لا واللَّه أو تخرج كلّ سيف في دارك قبل أن نأكل قال: ذلك لك، قال: فجاءه أبي، ووفّى له بما قال من الهبة وإخراج السّيوف، وخلَّف عنده سيفا في الدار، فلما توسّط الأمر قام إلى البيت فأخرج السيف مشهورا، ثم قال:

  يا أشعب إنما أخرجت هذا السيف لخير أريده بك، قال: بأبي أنت وأمّي، وأيّ خير يكون مع السّيف؟ ألست تذكر الشرط بيننا؟ قال له: فاسمع ما أقول لك، لست أضربك به، ولا يلحقك منه شيء تكرهه، وإنما أريد أن أضجعك وأجلس على صدرك، ثم آخذ جلدة حلقك بإصبعي من غير أن أقبض على عصب ولا ودج ولا مقتل، فأحزّها بالسيف، ثم أقوم عن صدرك وأعطيك عشرين دينارا، فقال: نشدتك اللَّه يا بن رسول اللَّه ألَّا تفعل بي هذا! وجعل يصرخ ويبكي ويستغيث، والحسن لا يزيده على الحلف له أنه لا يقتله، ولا يتجاوز به أن يحزّ جلده فقط، ويتوعّده مع ذلك بأنّه إن لم يفعله طائعا فعله كارها، حتى إذا طال الخطب بينهما، واكتفى الحسن من المزح معه، أراه أنّه يتغافل عنه، وقال له: أنت لا تفعل هذا طائعا، ولكن أجيء بحبل فأكتفك به، ومضى كأنه يجيء بحبل، فهرب أشعب وتسوّر حائطا بينه وبين عبد اللَّه بن حسن أخيه فسقط إلى داره، فانفكَّت رجله وأغمي عليه، فخرج عبد اللَّه فزعا، فسأله عن قصته، فأخبره، فضحك منه وأمر له بعشرين دينارا، وأقام في منزله / يعالجه ويعوله إلى أن صلحت حاله. قال: وما رآه الحسن بن الحسن بعدها.

  وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكَّار، قال: حدّثني عمّي، قال:

  دعا حسن بن حسن بن عليّ $ أشعب، فأقام عنده، فقال لأشعب يوما: أنا أشتهي كبد هذه الشّاة - لشاة عنده عزيزة عليه فارهة - فقال له أشعب: / بأبي أنت وأمّي أعطنيها وأنا أذبح لك أسمن شاة بالمدينة، فقال:

  أخبرك أني أشتهي كبد هذه وتقول لي: أسمن شاة بالمدينة، اذبح يا غلام، فذبحها وشوى له من كبدها وأطايبها، فأكل. ثم قال لأشعب من الغد: يا أشعب أنا أشتهي من كبد نجيبي هذا - لنجيب كان عنده ثمنه ألوف دراهم - فقال له أشعب: يا سيدي في ثمن هذا واللَّه غناي، فأعطنيه وأنا واللَّه أطعمك من كبد كلّ جزور بالمدينة، فقال: أخبرك أنّي أشتهي من كبد هذا وتطعمني من غيره! يا غلام انحر، فنحر النّجيب وشوى كبده فأكلا، فلما كان اليوم الثالث قال له: يا أشعب، أنا واللَّه أشتهي أن آكل من كبدك، فقال له: سبحان اللَّه أتأكل من أكباد النّاس! قال: قد أخبرتك، فوثب أشعب فرمى بنفسه من درجة عالية فانكسرت رجله، فقيل له: ويلك أظننت أنّه يذبحك؟ فقال: واللَّه لو أنّ كبدي وجميع أكباد العالمين جميعا اشتهاها لأكلها. وإنّما فعل حسن بالشّاة والنّجيب ما فعل توطئة للعبث بأشعب.

  تمت أخباره.

  صوت

  ألمّت خناس وإلمامها ... أحاديث نفس وأحلامها

  يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها

  الشعر لعويف القوافي الفزاريّ والغناء للهذليّ رمل بالوسطى، عن عمرو، وذكر حمّاد⁣(⁣١) بن إسحاق، عن أبيه أن فيه لحنا لجميلة ولم يذكر طريقته، وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى.


(١) مد: «أحمد بن إسحاق».