أخبار عبد الله بن العباس الربيعي
  وأجود بك، فلما جاءت النّوبة إليّ أخذت عودا ممّن كان إلى جنبي وقمت قائما واستأذنت في الغناء، فضحك الرشيد وقال: غنّ جالسا، فجلست وغنّيت لحني الأوّل / فطرب واستعاده ثلاث مرّات، وشرب عليه ثلاثة أنصاف، ثم غنّيت الثاني، فكانت هذه حاله، وسكر، فدعا بمسرور فقال له: احمل السّاعة مع عبد اللَّه عشرة آلاف دينار وثلاثين ثوبا من فاخر ثيابي، وعيبة مملوءة طيبا، فحمل ذلك أجمع معي.
  المعتصم يأمره بالتكفير عن يمينه والغناء لأصحابه جميعا
  قال عبد اللَّه: ولم أزل كلَّما أراد وليّ عهد أن يعلم من الخليفة بعد الخليفة الوالي أهو أم غيره دعاني فأمرني بأن أغنّي، فأعرّفه بيميني، فيستأذن الخليفة في ذلك، فإن أذن لي في الغناء عنده عرف أنه وليّ عهد، وإلَّا عرف أنه غيره حتى كان آخرهم الواثق، فدعاني في أيّام المعتصم وسأله أن يأذن لي في الغناء، فأذن لي، ثم دعاني من الغد فقال: ما كان غناؤك إلا سببا لظهور سرّي وسرّ الخلفاء قبلي، ولقد همّمت أن آمر بضرب رقبتك. لا يبلغني أنّك امتنعت من الغناء عند أحد، فو اللَّه لئن بلغني لأقتلنّك، فأعتق من كنت تملكه يوم حلفت، وطلق من كان يوجد عندك من الحرائر، واستبدل بهنّ وعليّ العوض من ذلك، وأرحنا من يمينك هذه المشؤومة، فقمت وأنا لا أعقل خوفا منه، فأعتقت جميع من كان بقي عندي من مماليكي، الذين حلفت يومئذ وهم في ملكي، وتصدّقت بجملة، واستفتيت في يميني أبا يوسف القاضي حتى خرجت منها، وغنّيت بعد ذلك إخواني جميعا حتى اشتهر أمري، وبلغ المعتصم خبري، فتخلَّصت منه، ثم غضب عليّ الواثق لشيء أنكره، وولي الخلافة وهو ساخط عليّ فكتبت إليه:
  اذكر أمير المؤمنين وسائلي(١) ... أيّام أرهب سطوة السّيف
  أدعو إلهي أن أراك خليفة ... بين المقام ومسجد الخيف
  فدعاني ورضي عنّي.
  / حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال:
  دخلت على العبّاس بن الفضل بن الربيع ذات يوم وهو مختلط مغتاظ وابنه عبد اللَّه عنده، فقلت له: ما لك أمتع اللَّه بك؟ قال: لا يفلح واللَّه ابني عبد اللَّه أبدا. فظننته قد جنى جناية، وجعلت أعتذر إليه له، فقال: ذنبه أعظم من ذلك وأشنع، فقلت: وما ذنبه؟ قال: جاءني بعض غلماني فحدّثني أنه رآه بقطربّل يشرب نبيذ الدّاذيّ(٢) بغير غناء، فهل هذا فعل من يفلح؟ فقلت له وأنا أضحك: سهّلت عليّ القصّة، قال: لا تقل ذاك فإنّ هذا من ضعة النّفس وسقوط الهمّة، فكنت إذا رأيت عبد اللَّه بعد ذلك في جملة المغنّين، وشاهدت تبذّله في هذه الحال وانخفاضه عن مراتب أهله تذكَّرت قول أبيه فيه.
  صنع غناء في شعر لأبي العتاهية وغناه
  قال: وسمعته يوما يغني بصنعته في شعر أبي العتاهية:
(١) المختار: «رسائلي».
(٢) الداذي: شراب الفساق. وفي ف: «يشرب الداذيّ».