كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العباس الربيعي

صفحة 172 - الجزء 19

  علَّم وصيفته هيلانة الغناء

  حدّثني أبو بكر الرّبيعيّ، قال: حدّثتني عمتي - وكانت ربّيت في دار عمّها عبد اللَّه بن العباس - قالت: كان عبد اللَّه لا يفارق الصّبوح أبدا إلا في يوم جمعة، أو شهر رمضان، وإذا حجّ. وكانت له وصيفة يقال لها: هيلانة قد ربّاها وعلَّمها الغناء، فأذكره يوما وقد اصطبح، وأنا في حجره جالسة والقدح في يده اليمنى، وهو يلقي على الصّبيّة صوتا أوله:

  صدع البين الفؤادا ... إذ به الصائح نادى

  فهو يردّده، ويومئ بجميع أعضائه إليها يفهمها نغمه، ويوقّع بيده على كتفي مرّة وعلى فخذي أخرى، وهو لا يدري حتى أوجعني، فبكيت وقلت: قد أوجعتني ممّا تضربني وهيلانة لا تأخذ الصّوت وتضربني أنا، فضحك حتى استلقى واستملح قولي، فوهب لي ثوب قصب أصفر، وثلاثة دنانير جددا، فما أنسى فرحي بذلك وقيامي به إلى أمّي، وأنا أعدو إليها وأضحك فرحا به.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  صدع البين الفؤادا ... إذ به الصائح نادى

  بينما الأحباب مجمو ... عون إذ صاروا فرادى

  فأتى بعض بلادا ... وأتى بعض بلادا

  كلَّما قلت: تناهى ... حدثان الدّهر عادا

  الشعر والغناء لعبد اللَّه هزج بالوسطى عن عمرو.

  صوت

  حضر الرحيل وشدّت الأحداج⁣(⁣١) ... وغدا بهنّ مشمّر مزعاج

  للشوق نيران قدحن بقلبه ... حتى استمرّ به الهوى الملجاج

  أزعج هواك إلى الَّذين تحبّهم ... إن المحبّ يسوقه الإزعاج

  لن يدنينّك للحبيب ووصله ... إلَّا السّرى والبازل الهجهاج⁣(⁣٢)

  الشعر لسلم الخاسر، والغناء لهاشم بن سليمان ثقيل أول بالوسطى.


(١) أحداج: جمع حدج؛ وهو مركب من مراكب النساء مثل الهودج.

(٢) البازل: الجمل حين يدخل في التاسعة؛ والهجهاج: الشديد الهدير.