كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي صدقة

صفحة 193 - الجزء 19

  على أبي صدقة درّاعة⁣(⁣١) ملحم⁣(⁣٢) خراسانيّ محشوّة بقز، ثم تغنى ابن جامع، وتغنى بهذه إبراهيم، وتلاهما أبو صدقة فغنّى لابن سريج:

  ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلَّفها سير الكلال مع الظَّلع⁣(⁣٣)

  فأجاده، واستعاده الحارث ثلاثا وهو يعيده. فقال له الحارث: أحسنت واللَّه يا أبا صدقة! قال له: هذا غنائي وقد قرصني البرد، فكيف تراه⁣(⁣٤) - فديتك - كان يكون⁣(⁣٤) لو كان تحت درّاعتي هذه شعيرات؟ يعني الوبر، والرشيد يسمع ذلك / فضحك، فأمر بأن يخلع عليه دراعة ملحم مبطنة بفنك، ففعلوا، ثم تغنى الجماعة، وغنى أبو صدقة لمعبد:

  بأن الخليط على بزل⁣(⁣٥) مخيّسة⁣(⁣٦) ... هدل المشافر أدنى سيرها الرّمل

  ثم تغنى بعده لمعبد أيضا:

  بأن الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطَّعوا من حبال الوصل أقرانا⁣(⁣٧)

  فأقام فيهما جميعا القيامة، فطرب الرشيد حتى كاد أن يخرج إلى المجلس طربا فقال له الحارث: أحسنت واللَّه يا أبا صدقة - فديتك - وأجملت، فقال أبو صدقة: فكيف ترى - فديتك - الحال تكون لو كانت على هذه الدراعة نقيطات؟ يعني الوشي، فضحك الرشيد حتى ظهر ضحكه، وعلموا بموضعه، وعرف علمهم بذلك، فأمر بإدخالهم إليه، وأمر بأن يخلع على أبي صدقة دراعة أخرى مبطنة، فخلعت عليه.

  صادره الحسن بن سليمان على جعل يأخذه ويكف عن السؤال فلم يف له

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال:

  سأل الحسن⁣(⁣٨) بن سليمان أخو عبيد اللَّه بن سليمان الطفيليّ⁣(⁣٩) الفضل وجعفرا ابني يحيى أن يقيما عنده يوما، فأجاباه⁣(⁣١٠)، فواعد عدة من المغنين، فيهم أبو صدقة المدني، فقال لأبي صدقة: إنك تبرم بكثرة السؤال:

  فصادرني⁣(⁣١١) على شيء أدفعه إليك / ولا تسأل شيئا غيره، فصادره على شيء أعطاه إياه. فلما جلسوا وغنّوا أعجبوا بغناء أبي صدقة، واقترحوا عليه أصواتا من غناء ابن سريج ومعبد وابن محرز وغيرهم، فغنّاهم، ثم غنى - والصنعة له رمل:


(١) الدراعة: جبة مشقوقة المقدم.

(٢) الملحم: نوع من الثياب.

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة، في ديوانه - ٣٣٠، والظلع: مصدر ظلع، كمنع: إذا غمز في مشيه.

(٤) في س: «فتكون»، وهو تحريف.

(٥) البزل: جمع البازل، وهو الجمل أو الناقة بزل نابها: أي انشق، ويكون ذلك في تاسع سنيه.

(٦) مخيسة: مروضة مذللة.

(٧) الأقران: جمع قرن، كسهل، وهو الحبل المفتول من لحاء الشجر، والخصلة المفتولة من الصوف.

(٨) ف: «الحسين بن سليمان».

(٩) ف: «اللطفي».

(١٠) في س: «فأجابه»، وهو تحريف.

(١١) صادرني على شيء: طالبني به.