أخبار علي بن جبلة
  نعاء(١) حميدا للسرايا إذا غدت ... تذاد بأطراف الرماح وتوزع
  حتى أتى على آخرها.
  لا يبلغ شأو الخريمي في رثاه أبي الهيذام:
  فقلت له: ما ذهب على النحو الَّذي نحوته يا أبا الحسن، وقد قاربته وما بلغته. فقال: وما هو؟ فقلت: أردت قول الخريمي(٢) في مرثيته أبا الهيذام:
  /
  وأعددته ذخرا لكل ملمة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
  / فقال: صدقت واللَّه، أما واللَّه لقد نحوته وأنا لا أطمع في اللَّحاق به، لا واللَّه ولا امرؤ القيس لو طلبه وأراده ما كان يطمع أن يقاربه في هذه القصيدة.
  هربه من المأمون وقد طلبه لتفضيله أبا دلف عليه وعلى آله:
  أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني ابن أبي حرب الزعفرانيّ، قال:
  لما بلغ المأمون قول عليّ بن جبلة لأبي دلف:
  كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
  مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
  غضب من ذلك، وقال: اطلبوه حيث كان، فطلب فلم يقدر عليه، وذلك أنه كان بالجبل، فلما اتصل به الخبر هرب إلى الجزيرة، وقد كانوا كتبوا إلى الآفاق في طلبه، فهرب من الجزيرة أيضا، وتوسط الشام فظفروا به، فأخذوه، وحملوه إلى المأمون، فلما صار إليه قال له: يا بن اللَّخناء(٣)، أنت القائل للقاسم بن عيسى:
  كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
  مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
  جعلتنا ممن يستعير المكارم منه! فقال له: يا أمير المؤمنين، أنتم أهل بيت لا يقاس بكم أحد، لأن اللَّه جل وعزّ فضلكم على خلقه، واختاركم لنفسه. وإنما عنيت بقولي في القاسم أشكال القاسم وأقرانه، فقال: واللَّه ما استثنيت أحدا عن الكلّ، سلَّوا لسانه من قفاه.
  أمر المأمون أن يسل لسانه لكفره في شعره:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن موسى قال: وحدّثني أحمد بن أبي فنن: أن المأمون لما أدخل عليه عليّ بن جبلة قال له: إني لست أستحلّ دمك لتفضيلك / أبا دلف على العرب كلَّها وإدخالك في ذلك قريشا - وهم آل رسول اللَّه ﷺ وعترته - ولكني أستحلَّه بقولك في شعرك وكفرك حيث تقول القول الَّذي أشركت فيه:
  أنت الَّذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
  وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
(١) نعاء حميدا: انعه: وأظهر خبر موته.
(٢) في ب، س: «الخزيمي»، تحريف.
(٣) اللخناء: الَّتي لم تختن.