أخبار أبي نواس وجنان خاصة
  فقد جاء الرسول له انكسار ... وحال ما عليها من قبول
  ولو ردّت جنان مردّ خير ... تبّين ذاك في وجه الرسول
  يعاتبها حتى يستميلها:
  / قال أبو خالد يزيد بن محمد: وكان أبو نواس صادقا في محبّة جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه، ورأيت أصحابنا جميعا يصحّحون ذاك عنه، وكان / لها محبّا، ولم تكن تحبّه، فمما عاتبها به حتى استمالها بصحّة حبه لها فصارت تحبه بعد نبوّها عنه قوله:
  جنان إن جدت يا مناي بما ... آمل لم تقطر السماء دما
  وإن تمادي - ولا تماديت في ... منعك - أصبح بقفرة رمما(١)
  علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما
  لو نظرت عينه إلى حجر ... ولَّد فيه فتورها سقما
  يسأل امرأة عنها فتخبره أنها رحمته فيقول في ذلك شعرا:
  أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثني محمد بن القاسم عن أبي هفّان عن الجمّاز، وأخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدّثني عون بن محمد قال: حدّثني الجمّاز قال:
  كنت عند أبي نواس جالسا إذ مرّت بنا امرأة ممن يداخل الثقفيين، فسألها عن جنان وألحف(٢) في المسألة واستقصى، فأخبرته خبرها وقالت(٣): قد سمعتها تقول لصاحبة لها من غير أن تعلم أني أسمع: ويحك! قد آذاني هذا الفتى، وأبرمني، وأحرج صدري، وضيّق عليّ الطرق بحدة نظره وتهتّكه؛ فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رحمته، ثم التفت فأمسكت عن الكلام؛ فسرّ أبو نواس بذلك، فلما قامت المرأة أنشأ يقول:
  يا ذا الَّذي عن جنان ظلّ يخبرنا ... باللَّه قل وأعد يا طيّب الخبر
  قال اشتكتك وقالت ما ابتليت به ... أراه من حيثما أقبلت في أثري
  / ويعمل الطرف نحوي إن مررت به ... حتى ليخجلني من حدّة النظر
  وإن وقفت له كيما يكلَّمني ... في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر
  ما زال يفعل بي هذا ويدمنه ... حتى لقد صار من همّي ومن وطري
  يمر به القاضي وهو يكلم امرأة فينصحه فيقول في ذلك شعرا:
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ وأحمد بن سليمان بن أبي شيخ قالا:
  قال ابن عائشة: وأخبرني الحسن بن عليّ وابن عمّار عن الغلابيّ عن ابن عائشة: قال ابن عمّار: وحدّثت به عن الجمّاز، وذكره لي محمد بن داود الجرّاح عن إسحاق النخعيّ عن أحمد بن عمير:
(١) الرمم: جمع رمة، وهي العظام البالية.
(٢) كذا في مد. وفي س: «ألحقها»، تحريف.
(٣) في بعض النسخ: «قال»، وهو تحريف.