أخبار أبي نواس وجنان خاصة
  فاستفتنتهنّ بتمثالها ... فهنّ للتكليف يبكينا
  حقّ لذاك الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا
  شعره وقد أشرف عليها فرآها تلطم في مأتم:
  أخبرني عمّي قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ، قال: حدّثنا عبد الملك بن عمر ابن أبان النخعيّ، وكان صديقا لأبي نواس:
  أنّ أبا نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفيّ، وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم، وجنان واقفة مع النساء تلطم وجهها وفي يدها خضاب، فقال:
  يا قمرا أبرزه مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
  يبكي فيذري(١) الدّرّ من عينه ... ويلطم الورد بعناب
  لا تبك ميتا حلّ في حفرة ... وابك قتيلا لك بالباب
  أبرزه المأتم لي كارها ... برغم دايات وحجّاب
  لا زال موتا دأب أحبابه ... ولا تزل رؤيته دابي
  استحسان ابن عيينة لشعره ذاك:
  فحدّثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدّثني محمد بن القاسم، حدّثني محمد ابن عائشة قال:
  قال لي سفيان بن عيينة: لقد أحسن بصريّكم هذا أبو نواس حيث يقول - وشدّد الواو وفتح النون:
  /
  يا قمرا أبصرت في مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
  يبكي فيذري الدّرّ من عينه ... ويلطم الورد بعنّاب
  قال: وجعل يعجب من قوله:
  ويلطم الورد بعنّاب
  ابن أبي عيينة ينشد بيتا من شعره ذاك ويكرر إعجابه ببراعته:
  وأخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن محمد قال: حدّثني حسين ابن الضّحّاك قال:
  أنشد ابن عيينة قول أبي نواس:
  يبكي فيذري الدّرّ من طرفه ... ويلطم الورد بعنّاب
  فعجبت منه، وقال: آمنت بالذي خلقه.
  روي أن شعره ذاك كان في غير جنان:
  وقد قيل: إنّ أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان.
(١) فيذري: فينثر.