نسب ابن أبي عيينة وأخباره
  فقلت له: نعم، أنا أتحمّل هذه الرسالة وكرامة، على ما فيها، حفظا لروحك عليك، / فإني لا آمن أن يتمادى بك هذا الأمر. فأخذت الرقعة وجعلت طريقي على منزل النخاس، فبعثت إلى الجارية: أخرجي، فخرجت، فدفعت إليها الرقعة، وأخبرتها بخبري فضحكت، ورجعت إلى الموضع الَّذي أقبلت منه فجلست جلسة خفيفة، ثم إذا بها قد وافتني ومعها رقعة، فيها:
  صوت
  وما زلت تعصيني(١) وتغري بي الردى ... وتهجرني حتى مرنت على الهجر
  وتقطع أسبابي وتنسى مودتي ... فكيف ترى يا مالكي في الهوى صبري!
  فأصبحت لا أدري أيأسا تصبّري ... على الهجر أم جدّ البصيرة لا أدري
  غنّى في هذه الأبيات عمرو بن بانة، ولحنه ثقيل أول بالبنصر، ولمقّاسة بن ناصح فيها ثقيل آخر بالوسطى.
  لحن عمرو في الأول والثالث بغير نشيد.
  قال: فأخذت الرّقعة منها وأوصلتها إليه، وصرت إلى منزلي، فصنعت في بيتي محمد بن جعفر لحنا وفي أبياتها لحنا، ثم صرت إلى الأمير صالح بن الرشيد، فعرّفته ما كان من خبري، وغنّيته الصوتين، فأمر بإسراج دوابه فأسرجت، وركب فركبت معه إلى النخّاس مولى نيران، فما برحنا حتى اشتراها منه بثلاثة آلاف دينار، وحملها إلى دار محمد بن جعفر فوهبها له، فأقمنا يومنا عنده.
  أخبرنا محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلبيّ قال:
  دخلت على الواثق يوما وهو خليفة ورباب في حجره جالسة، وهي صبية، وهو يلقي عليها قوله:
  /
  ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
  وهي تغنّيه ويردده عليها، فما سمعت غناء قطَّ أحسن من غنائهما جميعا، وما زال يردّده عليها حتى حفظته.
(١) في م، أ: «تقصيني».