نسب ابن أبي عيينة وأخباره
  بلى فسبقتهم إنني ... أحبّ إلى الخير أن أسبقا
  ويوم الجنازة إذ أرسلت ... على رقعة(١) أن جز الخندقا
  وعج ثمّ فانظر لنا مجلسا ... برفق وإياك أن تخرقا
  فجئنا كغصنين من بانة ... قرينين خدنين قد أورقا
  فقالت لأخت لها استنشد ... يه من شعره المحكم المنتقى
  فقلت أمرت بكتمانه ... وحذّرت إن شاع أن يسرقا
  فقالت بعيشك قولي له ... تمنّع لعلك أن تنفقا
  من شعره في دنيا وقد أفحش فيه:
  ومن مشهور قوله في دنيا وهو مما تهتك فيه وصرّح وأفحش وهي من جيد قوله قصيدته الَّتي يقول فيها:
  أنا الفارغ المشغول والشوق آفتي ... فلا تسألوني عن فارغي وعن شغلي
  / عجبت لترك الحبّ دنيا خلية ... وإعراضه عنها وإقباله قبلي(٢)
  / وما بالها لما كتبت تهاونت ... بكتبي وقد أرسلت فانتهرت رسلي
  وقد جلفت ألَّا تخطَّ بكفّها ... إلى قابل خطا إليّ ولا تملي
  أبخلا علينا كلّ ذا وقطيعة ... قضيت لدينا بالقطيعة والبخل
  سلوا قلب دنيا كيف أطلقه الهوى ... فقد كان في غلّ وثيق وفي كبل(٣)
  فإن جحدت فاذكر لها قصر معبد ... بمنصف(٤) ما بين الأبلَّة(٥) والحبل(٦)
  وملعبنا في النهر والماء زاخر ... قرينين كالغصنين فرعين في أصل
  ومن حولنا الرّيحان غضّا وفوقنا ... ظلال من الكرم المعرّش والنخل
  إذا شئت مالت بي إليها كأنّني ... إلى غصن بان دعصين من رمل
  ليالي ألقاني الهوى فاستضفتها ... فكانت ثناياها بلا حشمة نزلي
  وكم لذّة لي في هواها وشهوة ... وركضي إليها راكبا وعلى رجل
  وفي مأتم المهديّ زاحمت ركنها ... بركني وقد وطَّنت نفسي على القتل
  وبتنا على خوف أسكَّن قلبها ... بيسراي واليمنى على قائم النّصل
(١) في م، أ: «رقبه»، أي رقابة.
(٢) إقباله قبلي: قصده نحوي.
(٣) الكبل: القيد.
(٤) منصف: منتصف.
(٥) الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة في زاوية الخليج الَّذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي أيضا نهر يضرب إلى البصرة حفره زياد.
(٦) الحبل: موضع بالبصرة على شاطئ نهر الفيض وضبطه في «معجم البلدان» كزفر، و «القاموس» كسهل.