أخبار دعبل بن علي ونسبه
  وكتب قصيدته: «مدارس آيات» فيما يقال على ثوب، وأحرم فيه، وأمر بأن يكون في أكفانه. ولم يزل مرهوب اللسان وخائفا من هجائه للخلفاء، فهو دهره كلَّه هارب متوار.
  حدّثني إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا عبد اللَّه بن / مسلم بن قتيبة قال:
  رأيت دعبل بن عليّ وسمعته يقول: أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة، لست أجد أحدا يصلبني عليها.
  إبراهيم بن المهدي يحرض المأمون عليه:
  حدّثني عمي قال: حدثنا ميمون بن هارون قال: قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه، فضحك المأمون، وقال: إنما تحرضني عليه لقوله فيك:
  يا معشر الأجناد لا تقنطوا ... وارضوا بما كان ولا تسخطوا
  فسوف تعطون حنينيّة(١) ... يلتذها الأمرد والأشمط
  والمعبديّات(٢) لقوّادكم ... لا تدخل الكيس ولا تربط
  وهكذا يرزق قوّاده ... خليفة مصحفه البربط(٣)
  فقال له إبراهيم: فقد واللَّه هجاك أنت يا أمير المؤمنين، فقال: دع هذا عنك فقد / عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا، وضحك. ثم دخل أبو عبّاد، فلما رآه المأمون من بعد قال لإبراهيم: دعبل يجسر على أبي عبّاد بالهجاء ويحجم عن أحد؟ فقال له: وكأنّ أبا عبّاد أبسط يدا منك يا أمير المؤمنين؟ قال لا، ولكنه حديد جاهل لا يؤمن، وأنا أحلم وأصفح. واللَّه ما رأيت أبا عبّاد مقبلا إلَّا أضحكني قول دعبل فيه:
  أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد
  وكأنه من دير هزقل مفلت(٤) ... حرد(٥) يجرّ سلاسل الأقياد
  ما قاله أبوه من الشعر:
  أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال: أخبرني دعبل بن عليّ قال: قال لي أبي عليّ بن رزين: ما قلت شيئا من الشعر قطَّ إلَّا هذه الأبيات:
  خليليّ ماذا أرتجي من غد امرئ ... طوى الكشح عنّي اليوم وهو مكين
  وإن امرأ قد ضنّ منه بمنطق ... يسدّ به فقر امرئ لضنين
  وبيتين آخرين وهما:
(١) حنينية: يريد أغاني منسوبة إلى حنين المغني.
(٢) المعبديات: يريد الأغاني المنسوبة إلى معبد.
(٣) البريط، كجعفر: العود.
(٤) دير هزقل: دير بداوردان، وهزقل هو حزقل كزبرج، أو حزقيل النبي، وفي س، ب: «هرقل»، تحريف وداوردان: قرية شرقي واسط بينهما فرسخ. وقع فيها الطاعون فخرج أهلها هاربين فأماتهم اللَّه ثم أحياهم ليعتبروا. وقيل مر عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فلوى شدقه وأصابعه تعجبا مما رأى فأوحي إليه ناد فيهم أن قوموا بإذن اللَّه فنادى فنظر إليهم قياما.
(٥) حرد: غضبان.