كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار جعيفران ونسبه

صفحة 341 - الجزء 20

  فأجّله إلى منزله وكتب رقعة خبّره فيها بحقيقة⁣(⁣١) ما أفتى به موسى بن جعفر، ودفعها إلى صديق لأبي / يوسف، فدفعها إليه، فلما قرأها دعا الوصيّ واستحلفه أنه قد صدق في ذلك. فحلف باليمين الغموس. فقال له: اغد عليّ غدا مع صاحبك، فحضر وحضر جعيفران معه، فحكم عليه أبو يوسف للوصي. فلما أمضى الحكم عليه وسوس جعيفران واختلط منذ يومئذ.

  وأخبرني بجمل أخباره المذكورة في هذا الكتاب عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب، عن شيوخ له أخذها عنهم وإجازات وجدتها في الكتب، ولم أر أخباره عند أحد أكثر مما وجدتها عنده إلَّا ما أذكره عن غيره فأنسبه إليه.

  يقف بالرصافة على رجل وينشده شعرا:

  قال عليّ بن العباس: وذكر عبد اللَّه بن عثمان الكاتب أن أباه عثمان بن محمد حدّثه قال:

  كنت يوما برصافة مدينة السّلام جالسا إذ جاءني جعيفران وهو مغضب، فوقف عليّ وقال:

  استوجب العالم مني القتلا

  / فقلت: ولم يا أبا الفضل؟ فنظر إليّ نظرة منكرة خفت منها، وقال:

  لمّا شعرت فرأوني فحلا

  ثم سكت هنيهة، وقال:

  قالوا علىّ كذبا وبطلا ... إني مجنون فقدت العقلا

  قالوا المحال كذبا وجهلا ... أقبح بهذا الفعل منهم فعلا

  ثم ذهب لينصرف، فخفت أن يؤذيه الصبيان، فقلت: اصبر فديتك حتى أقوم معك؛ فإنك مغضب، وأكره أن تخرج على هذه الحال. فرجع إليّ، وقال: سبحان اللَّه، أتراني أنسبهم إلى الكذب والجهل، وأستقبح فعلهم، وتتخوّف مني مكافأتهم! ثم إنه ولَّى وهو يقول:

  لست براض من جهول جهلا ... ولا مجازيه بفعل فعلا

  لكن أرى الصفح لنفسي فضلا ... من يرد الخير يجده سهلا

  ثم مضى.

  رثي وحده يدور في دار طول ليلته وهو ينشده رجزا:

  وقال عليّ بن العباس، وقال عثمان بن محمد⁣(⁣٢): قال أبي:

  كنت أشرف مرة من سطح لي على جعيفران وهو في دار وحده وقد اعتلّ، وتحركت عليه السوداء، فهو يدور في الدار طول ليلته، ويقول:

  طاف به طيف من الوسواس ... نفّر عنه لذّة النّعاس

  فما يرى يأنس بالأناس ... ولا يلذّ عشرة الجلَّاس


(١) كذا في أ، م، س، ب: «تحقيق»، تحريف.

(٢) م: «عبد اللَّه بن عثمان بن محمد».