كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار السري ونسبه

صفحة 348 - الجزء 20

  هناك وأعطاه ثيابه، وأخذ منه جبّته وعصاه، وأقبل يسوق الغنم حتى صار إلى النّسوة فلم يحفلن به، وظنن أنه أعرابيّ، فأقبل يقلَّب بعصاه الأرض وينظر إليهم فقلن له: أذهب منك يا راعي الغنم شيء فأنت تطلبه؟ فقال: نعم.

  قال: فضربت زينب بكمها على وجهها وقالت: السريّ واللَّه، أخزاه اللَّه! فأنشأ يقل:

  صوت

  ما زال فينا سقيم يستطبّ له ... من ريح زينب فينا ليلة الأحد

  حزت الجمال ونشرا طيّبا أرجا ... فما تسمّين إلَّا مسكة البلد

  أمّا فؤادي فشئ قد ذهبت به ... فما يضرّك ألا تحربي⁣(⁣١) جسدي!

  يستحسن المهدي شعرا له في الغزل:

  أخبرني الحسين بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا مصعب الزّبيريّ قال، قال أبي: قال لي المهديّ:

  أنشدني شعرا غزلا، فأنشدته قول السريّ بن عبد الرحمن:

  ما زال فينا سقيم يستطبّ له ... من ريح زينب فينا ليلة الأحد

  فأعجبته، وما زال يستعيدها مرارا حتى حفظها.

  كان وندماءه تقبل شهادتهم مع شربهم النبيذ:

  أخبرني الحسن قال: حدّثني أحمد قال: حدّثني محمد بن سلَّام الجمحيّ قال:

  كان السريّ بن عبد الرحمن ينادم عتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف وجبير بن أيمن بن أمّ أيمن مولى النبيّ وخالد بن أبي أيوب الأنصاريّ، وكانوا يشربون النبيذ، وكلَّهم كان على ذلك مقبول الشهادة، جليل القدر مستورا، فقال السريّ:

  إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيرا ونازعت الزجاجة خالدا

  أمنت بإذن اللَّه أن تقرع العصا ... وأن ينبهوا من نومة السّكر راقدا

  فقالوا: قبحك اللَّه! ما ذا أردت إلى التنبيه علينا والإذاعة لسرنا؟ إنك لحقيق ألَّا ننادمك. قال: واللَّه ما أردت بكم سوءا، ولكنه شعر طفح فنفثته⁣(⁣٢) عن صدري، قال: وخالد بن أبي أيوب الأنصاريّ الَّذي يقول:

  صوت

  ألا سقّني كأسي ودع قول من لحى ... وروّ عظاما قصرهن⁣(⁣٣) إلى بلى

  فإن بطوء⁣(⁣٤) الكأس موت وحبسها ... وإنّ دراك الكأس عندي هو الحيا


(١) تحربي: تسلبي.

(٢) ب، س: «فقئته».

(٣) قصرهن: غايتهن.

(٤) في محيط المحيط: البطاء والبطوء: ضد السرعة.