كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مسكين ونسبه

صفحة 354 - الجزء 20

  أشعر ما قيل في الغيرة قول مسكين الدارمي:

  ألا أيها الغائر المستش ... يط فيم تغار إذا لم تغر؟

  فما خير عرس إذا خفتها ... وما خير عرس إذا لم تزر؟

  / تغار على الناس أن ينظروا ... وهل يفتن الصالحات النظر؟

  وإني سأخلي لها بيتها ... فتحفظ لي نفسها أو تذر

  إذا اللَّه لم يعطني حبّها ... فلن يعطي الحبّ سوط ممرّ⁣(⁣١)

  يأبي معاوية أن يفرض له: ثم يعود فيجيبه إلى طلبه:

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثني عبد اللَّه بن عمرو بن أبي سعد قال: حدّثني عبد اللَّه بن مالك الخزاعي قال: حدّثني عبد اللَّه بن بشير قال: أخبرني أيوب بن أبي أيوب السعديّ قال:

  لما قدم مسكين الدارميّ على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى عليه، وكان لا يفرض إلَّا لليمن، فخرج من عنده مسكين وهو يقول:

  أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح

  وإن ابن عم المرء فأعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح؟

  وما طالب الحاجات إلَّا مغرّر⁣(⁣٢) ... وما نال شيئا طالب كنجاح⁣(⁣٣)

  / قال السعديّ: فلم يزل معاوية كذلك حتى غزت اليمن وكثرت، وضعضعت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلا من أهل اليمن قال يوما: لهممت⁣(⁣٤) ألا أدع بالشأم أحدا من مضر، بل هممت ألَّا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاريّ بالشأم، فبلغت معاوية، ففرض من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، وقدم على تفئية⁣(⁣٥) ذلك عطارد بن حاجب على معاوية، فقال له: ما فعل الفتى الدارميّ الصبيح الوجه الفصيح / اللسان؟ يعني مسكينا، فقال:

  صالح: يا أمير المؤمنين، فقال: أعلمه أني قد فرضت له في شرف العطاء وهو في بلاده؛ فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإنّ عطاءه سيأتيه، وبشّره أني قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف؛ قال: وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي قيسا في البرّ، فقال شاعر اليمن:

  ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكَّا أناس أنتم أم أباعر؟

  أتترك قيس آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر؟

  فو اللَّه ما أدري وإني لسائل ... أهمدان يحمى ضيمها أم يحابر؟


(١) ممر: مفتول فتلا شديدا.

(٢) في «خزانة الأدب» ٣: ٦٠: «معذب».

(٣) كذا في المصدر السابق. وفي س، ب: «كجناح».

(٤) وفي س: «لممت»، تحريف.

(٥) على تفيئة: على أثر.