أخبار مسكين ونسبه
  مطلوب قطَّ، ونجوت من ضربة رئاب بن رميلة أبي البذال فلم يقع(١) في رأسي، ونجوت من مهاجاة مسكين الدارمي. ولو هاجيته لحال بيني وبين بيت بني عمّي، وقطع لساني عن الشعراء.
  يخطب فتاة فتأباه، ويمر بها وهي مع زوجها، فيقول في ذلك شعرا:
  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أبو العيناء عن الأصمعيّ قال:
  خطب مسكين الدراميّ فتاة من قومه فكرهته لسواد لونه وقلة ماله، وتزوجت بعده رجلا من قومه ذا يسار ليس له مثل نسب مسكين، فمرّ بهما مسكين ذات يوم، وتلك المرأة جالسة مع زوجها، فقال:
  أنا مسكين لمن يعرفني ... لوني السّمرة ألوان العرب
  من رأى ظبيا عليه لؤلؤ ... واضح الخدين مقرونا بضب(٢)
  أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان وما يدعى لأب
  ربّ مهزول سمين بيته ... وسمين البيت مهزول النسب
  أصبحت ترزق من شحم الذّرا(٣) ... وتخال اللؤم درّا ينتهب
  لا تلمها إنها من نسوة ... صخبات ملحها فوق الرّكب(٤)
  كشموس الخيل يبدو شغبها ... كلما قيل لها هال وهب(٥)
  يأمره يزيد أن يرشحه للخلافة في أبيات وينشدها في مجلس أبيه:
  أخبرني محمد بن مزيد قال: حدّثني حماد بن إسحاق الموصليّ قال: حدّثني أبي عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللَّه بن عياش قال:
  كان يزيد بن معاوية يؤثر مسكينا الدارميّ، ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه، فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيّب ذلك وخاف ألا يمالئه عليه الناس، لحسن البقيّة فيهم، وكثرة من يرشّح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرء(٦) وكلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد اللَّه بن عامر، فأمر يزيد مسكينا أن يقول أبياتا وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافلا وحضره وجوه بني أمية، فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه، وهو جالس وابنه يزيد عن يمينه وبنو أمية حواليه وأشراف الناس في مجلسه، فمثل بين يديه وأنشأ يقول:
  إن أدع مسكينا فإني ابن معشر ... من الناس أحمي عنهم وأذود
  إليك أمير المؤمنين رحلتها ... تثير القطا ليلا وهنّ هجود
  وهاجرة ظلت كأن ظباءها ... إذا ما اتّقتها بالقرون سجود
(١) في م، أ: «تقع».
(٢) م، أ: «واضح الخدين مقرون».
(٣) الذرا: أعلى السنام.
(٤) ملحها فوق الركب: كثيرة الخصام، كأن طول مجاثاتها ومصاكتها الركب قرح ركبتها، فهي تضع الملح عليهما تداويهما.
(٥) هال وهب: اسما زجر للخيل.
(٦) ذرء: شيء.