كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي محمد ونسبه

صفحة 363 - الجزء 20

  كان قتيبة الخراسانيّ عيسى بن عمر يأتيني، فيسألني عن مسائل كالمتعنّت، فإذا أجبته عنها انصرف منكسرا، وكان أفطس، فقلت له يوما:

  أمخبري أنت يا قتيبة عن ... أنفك أم أنت كاتم خبره؟

  بأي جرم وأيّ ذنب ترى ... سوّت بخدّيك أنفك البقرة

  فصيّرته كفيشة⁣(⁣١) نبتت ... في وجه قرد مفضوضة⁣(⁣٢) الكمره

  قد كان في ذاك شاغل لك عن ... تفتيش باب العرفان والنكره

  وقلت فيه أيضا:

  إذا عافى مليك الناس عبدا ... فلا عافاك ربّك يا قتيبة

  / طلبت النحو مذ أن كنت طفلا ... إلى أن جلَّلتك قبحت شيبه

  فما تزداد إلَّا النقص فيه ... وأنت لدى الإياب بشرّ أو به

  وكنت كغائب قد غاب حينا ... فطال مقامه وأتى بخيبه

  يلقن قتيبة غريبا فيه فحش، فيعابي به عيسى بن عمر:

  قال أبو محمد:

  كان عيسى بن عمر أعلم الناس بالغريب، فأتاني قتيبة الخراسانيّ هذا، فقال لي: أفدني شيئا من الغريب أعايي⁣(⁣٣) به عيسى بن عمر، فقلت له: أجود المساويك عند العرب الأراك، وأجود الأراك عندهم ما كان متمئرّا⁣(⁣٤) عجارما⁣(⁣٥) جيدا، وقد قال الشاعر:

  إذا استكت يوما بالأراك فلا يكن ... سواكك إلَّا المتمئرّ العجارما

  يعني الأير. قال: فكتب قتيبة ما قلت له، وكتب البيت، ثم أتى عيسى بن عمر في مجلسه، قال: يا أبا عمر، ما أجود المساويك عند العرب؟ فقال: الأراك، يرحمك اللَّه. فقال له قتيبة: أفلا أهدي إليك منه شيئا متمئرا عجارما؟ فقال:

  أهده إلى نفسك. وغضب، وضحك كل من كان في مجلسه، / وبقي قتيبة متحيرا، فعلم عيسى أنه قد وقع عليه بلاء، فقال له: ويلك! من فضحك وسخر منك بهذه المسألة؟ ومن أهلكك ودمّر عليك؟ قال: أبو محمد اليزيديّ، فضحك عيسى حتى فحص برجله، وقال: هذه واللَّه من مزحاته وبلاياه. أراه عنك منحرفا، فقد فضحك. فقال قتيبة: لا أعاود مسألته عن شيء.


(١) الفيشة: رأس الذكر.

(٢) مي: «مقطوعة».

(٣) كذا في م، أ. ومعناه: أعجزه عن فهمه. س، ب: «أعاني» بمعنى أشاجر.

(٤) المتمئر: الذكر الصلب.

(٥) العجارم: الرجل الشديد، ويكنى به عن الذكر.