أخبار أبي محمد ونسبه
  الخليل يحبه ويجله:
  حدّثني عمي قال: حدّثني عبيد اللَّه بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي أبو جعفر / قال: سمعت جدّي أبا محمد يقول: صرت يوما إلى الخليل بن أحمد، والمجلس غاص بأهله، فقال لي: ها هنا عندي، فقلت أضيّق عليك، فقال: إنّ الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين، وإنّ شبرا في شبر لا يضيق عن متحابّين. قال: وكان الخليل لأبي محمد صافي الودّ.
  يجمع بين الخليل وابن المقفع:
  حدثنا اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللَّه قال: حدّثني أخي أحمد قال: سمعت جدي أبا محمد يقول:
  كنت ألقي الخليل بن أحمد، فيقول لي: أحبّ أن يجمع بيني وبين عبد اللَّه بن المقفّع، وألقى ابن المقفّع فيقول: أحب أن يجمع بيني وبين الخليل بن أحمد. فجمعت بينهما، فمرّ لنا أحسن مجلس وأكثره علما، ثم افترقنا، فلقيت الخليل فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت صاحبك؟ قال: ما شئت من علم وأدب، إلَّا أني رأيت كلامه أكثر من علمه، ثم لقيت ابن المقفّع فقلت: كيف رأيت صاحبك؟ فقال: ما شئت من علم وأدب، إلَّا أنّ عقله أكثر من علمه(١).
  يناظر الكسائي في مجلس المهدي فيغلبه:
  حدثنا اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللَّه قال: حدّثني أخي أحمد بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن أبي محمد قال: قال لي أبو محمد:
  كنا مع المهدي ببلد في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، وكان الكسائيّ معنا، فذكر المهديّ العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسيّ عمّ دفافة، فقال المهديّ: نبعث إلى اليزيديّ والكسائيّ، وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهديّ، والكسائي مع الحسن الحاجب، فجاءنا الرسول، فجئت أنا، فإذا الكسائيّ على الباب قد سبقني. فقال: يا أبا محمد، أعوذ باللَّه من شرّك، فقلت: واللَّه لا تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك.
  / فلما دخلنا عليه أقبل عليّ، وقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحرانيّ، ونسبوا إلى الحصنين(٢) فقالوا:
  حصنّي ولم يقولوا حصنانيّ. كما قالوا بحراني؟ فقلت: أصلح اللَّه الأمير! لو أنهم نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحريّ لم يعرف أإلى البحرين نسبوا أم إلى البحر؟ فلما جاؤوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له: الحصن ينسب إليه غيرهما(٣) فقالوا: حصني.
  قال أبو محمد، سمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع - وكان حاضرا - لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلَّة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: أصلح اللَّه الأمير، إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به.
  قال: فقد سألته: فقال الكسائيّ: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان، فقالوا: حصني اجتزاء بإحدى النونين عن الأخرى، ولم يكن في البحرين إلَّا نون واحدة، فقالوا: بحراني. فقلت: أصلح اللَّه الأمير! فكيف تنسب رجلا من
(١) هد: «إلَّا أن عقله وعلمه أكثر من كلامه».
(٢) الحصنين موضع، وقلعة بوادي له من نواحي الطائف.
(٣) ذكر ياقوت أن هناك مواضع كثيرة تسمى بهذا الاسم، ومما ذكر منها: ثنية بمكة في موضع يقال له: المفجر.