كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي محمد ونسبه

صفحة 364 - الجزء 20

  الخليل يحبه ويجله:

  حدّثني عمي قال: حدّثني عبيد اللَّه بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي أبو جعفر / قال: سمعت جدّي أبا محمد يقول: صرت يوما إلى الخليل بن أحمد، والمجلس غاص بأهله، فقال لي: ها هنا عندي، فقلت أضيّق عليك، فقال: إنّ الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين، وإنّ شبرا في شبر لا يضيق عن متحابّين. قال: وكان الخليل لأبي محمد صافي الودّ.

  يجمع بين الخليل وابن المقفع:

  حدثنا اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللَّه قال: حدّثني أخي أحمد قال: سمعت جدي أبا محمد يقول:

  كنت ألقي الخليل بن أحمد، فيقول لي: أحبّ أن يجمع بيني وبين عبد اللَّه بن المقفّع، وألقى ابن المقفّع فيقول: أحب أن يجمع بيني وبين الخليل بن أحمد. فجمعت بينهما، فمرّ لنا أحسن مجلس وأكثره علما، ثم افترقنا، فلقيت الخليل فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت صاحبك؟ قال: ما شئت من علم وأدب، إلَّا أني رأيت كلامه أكثر من علمه، ثم لقيت ابن المقفّع فقلت: كيف رأيت صاحبك؟ فقال: ما شئت من علم وأدب، إلَّا أنّ عقله أكثر من علمه⁣(⁣١).

  يناظر الكسائي في مجلس المهدي فيغلبه:

  حدثنا اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللَّه قال: حدّثني أخي أحمد بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن أبي محمد قال: قال لي أبو محمد:

  كنا مع المهدي ببلد في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، وكان الكسائيّ معنا، فذكر المهديّ العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسيّ عمّ دفافة، فقال المهديّ: نبعث إلى اليزيديّ والكسائيّ، وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهديّ، والكسائي مع الحسن الحاجب، فجاءنا الرسول، فجئت أنا، فإذا الكسائيّ على الباب قد سبقني. فقال: يا أبا محمد، أعوذ باللَّه من شرّك، فقلت: واللَّه لا تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك.

  / فلما دخلنا عليه أقبل عليّ، وقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحرانيّ، ونسبوا إلى الحصنين⁣(⁣٢) فقالوا:

  حصنّي ولم يقولوا حصنانيّ. كما قالوا بحراني؟ فقلت: أصلح اللَّه الأمير! لو أنهم نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحريّ لم يعرف أإلى البحرين نسبوا أم إلى البحر؟ فلما جاؤوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له: الحصن ينسب إليه غيرهما⁣(⁣٣) فقالوا: حصني.

  قال أبو محمد، سمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع - وكان حاضرا - لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلَّة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: أصلح اللَّه الأمير، إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به.

  قال: فقد سألته: فقال الكسائيّ: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان، فقالوا: حصني اجتزاء بإحدى النونين عن الأخرى، ولم يكن في البحرين إلَّا نون واحدة، فقالوا: بحراني. فقلت: أصلح اللَّه الأمير! فكيف تنسب رجلا من


(١) هد: «إلَّا أن عقله وعلمه أكثر من كلامه».

(٢) الحصنين موضع، وقلعة بوادي له من نواحي الطائف.

(٣) ذكر ياقوت أن هناك مواضع كثيرة تسمى بهذا الاسم، ومما ذكر منها: ثنية بمكة في موضع يقال له: المفجر.