كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي محمد ونسبه

صفحة 366 - الجزء 20

  غير ما أنك المجيد لتقطيع غناء وضرب دفّ وعود

  فعلى ذا وذاك يحتمل الدهر ... مجيدا له وغير مجيد

  يهجو خلفا الأحمر:

  قال: وقال أبو محمد اليزيديّ يهجو خلفا الأحمر أستاذ⁣(⁣١) الكسائيّ، أنشدنيه عمي الفضل:

  زعم الأحمر المقيت عليّ ... والَّذي أمّه تقرّ بمقته

  / أنه علَّم الكسائيّ نحوا ... فلئن كان ذا كذاك فباسته

  يأمر له الرشيد بمال، ويستعين الغساني على تعجيله فلا يعينه:

  وبهذا الإسناد عن أبي محمد قال:

  أمر لي الرشيد بمال وحضر شخوصه إلى السّن⁣(⁣٢)، فأتيت عاصما الغسانيّ - وكان / أثيرا عند يحي بن خالد - فقلت له: إن أمير المؤمنين قد أمر لي بمال، وقد حضر من شخوصه ما قد علمت، فأحبّ أن تذكَّر أبا علي يحيى بن خالد أمره ليعجّله إليّ. فقال: نعم، ثم عدت بعد ذلك بيومين، فقال لي يتفخّم في لفظه: ما أصبت بحاجتك موضعا. قال: قلت فاجعلها منك - أكرمك اللَّه - ببال.

  فلما خرجت لحقني بعض من كان في المجلس، فقال لي: يا أبا محمد، إني لأربأ بك أن تأتي هذا الكلب أو تسأله حاجة، قلت: وكيف؟ قال: سمعته يقول - وقد ولَّيت - لو أن بيدي دجلة والفرات ما سقيت هذا منهما شربة، فقيل له: ولم ذاك - أصلحك اللَّه - فإن له قدرا وعلما؟ قال: لأنه من مضر، ما رأيت مضربا قطَّ يحب اليمانيّة.

  قال: فأحببت ألا أعجل، فعدت إليه من غد فقلت: هل كان منك - أكرمك اللَّه - في الحاجة شيء؟ فقال: واللَّه لكأنك تطلبنا بدين فتحقّق عندي ما بلغني عنه، فقلت له: لا قضى اللَّه هذه الحاجة على يدك، ولا قضى لي حاجة أبدا إن سألتكها، واللَّه لا سلَّمت عليك مبتدئا أبدا، ولا رددت عليك السّلام إن بدأتني به. ونفضت ثوبي وخرجت.

  يستعين بجعفر بن يحيى على تعجيل المال فيعينه

  فإني لأسير وأفكر في الحيلة لحاجتي إذا براكب يركض حتى لحقني، فقال: بعثني إليك أبو علي يحيى بن خالد لتقف حتى يلحقك، فرجعت مع رسوله إليه فلقيته، وكان قريبا، فسلَّمت عليه ثم سايرته، فقال لي: إن أمير المؤمنين أمرني أن آمرك بطلب مؤدّب لابنه صالح، فإني أحدّثك حديثا حدّثني به أبي خالد بن برمك: أنّ الحجاج بن يوسف أراد مؤدّبا لولده، فقيل له: ها هنا رجل نصرانيّ عالم، وها هنا مسلم ليس علمه كعلم النصرانيّ، قال: ادعوا لي المسلم.

  / فلما أتاه قال: ألا ترى يا هذا أنّا قد دللنا على نصرانيّ قد ذكروا أنه أعلم منك، غير أني كرهت أن أضمّ إلى ولدي من لا ينبّههم للصلاة عند وقتها، ولا يدلَّهم على شرائع الإسلام ومعالمه؟ وأنت - إن كان لك عقل - قادر على أن تتعلم في اليوم ما يعلمه أولادي في جمعه، وفي الجمعة ما يعلَّمهم في الشهر، وفي الشهر ما يعلمهم في سنة.


(١) كذا بالنسخ، ولم نعثر في المراجع الَّتي رجعنا إليها على خبر يدل على أن الكسائي أخذ عن خلف الأحمر. فلعل المراد علي بن الحسن، ويقال: ابن المبارك المعروف بالأحمر، وكان تلميذ الكسائي. وقد ذكر اليزيدي في البيت الأول أن اسمه علي. (بغية الوعاة، نزهة الألباء، مراتب النحويين).

(٢) السن: مدينة على دجلة فوق تكريت، يقال لها: سن بارما.