كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي محمد ونسبه

صفحة 367 - الجزء 20

  ثم قال لي يحيى: فينبغي يا أبا محمد أن نؤثر الدّين على ما سواه، فقلت له: قد أصبت من أرضاه، وذكرت له الحسن بن المسوّر، فضمه إليه ثم سألني: من أين أقبلت؟ فأخبرته بخبر عاصم وما كان منه، فقلت له: قد حضر هذا المسير، ولست أدري من أي وجه أتقاضاه؟ فضحك وقال: ولم لا تدري؟ الق صديقك جعفرا، يعني ابنه، حتى يكلم أمير المؤمنين أو يذكرني حاجتك، فقد تركته على المضي الساعة، فاثنيت إلى جعفر وقلت له في طريقي:

  يا سائلي عما أخبّره ... عن جعفر كرما وعن شيمه

  إن ابن يحيى جعفرا رجل ... سيط⁣(⁣١) السماح بلحمه ودمه

  فعليه «لا» أبدا محرمة ... وكلامه وقف على نعمه

  وترى مسابقه ليدركه ... بمكان حذو النعل من قدمه

  / فلما دخلت إليه أخبرته الخبر، وأنشدته الأبيات، وأعلمته ما أمرني به أبوه، فقال لي: قل بيتين تذكره فيهما إلى أن أجدّد طهرا واكتبهما حتى يكونا معي، فأذكر بهما حاجتك، فقلت: نعم يا سيدي، وأخذت الدواة وكتبت:

  أحقّ من أنجز موعوده ... خليفة اللَّه على خلقه

  ومن له إرث نبيّ الهدى ... بالحق لا يدفع عن حقه

  / ينسب في الهدي إلى هديه ... برّا وفي الصدق إلى صدقه

  ومن له الطاعة مفروضة ... لائحة بالوحي في رقّه

  والراتق الفتق العظيم الَّذي ... لا يقدر الناس على رتقه

  يهجو الغساني لأنه لم يعنه على تعجيل المال:

  قال: فأخذ الشعر، ومضى إلى الرشيد في حاجتي وأقرأه إياه، فصكّ إليّ بالمال عليه، وقبضته بعد ذلك بيوم، وأنشأت أقول في الغسّانيّ:

  ألا طرقت أسماء أم أنت حالم؟ ... فأهلا بطيف زار والليل عاتم

  إذا قيل أيّ الناس أعظم جفوة ... وألأم قيل الجرمقانيّ⁣(⁣٢) عاصم

  دعيّ أجاءته إلى اللؤم دعوة ... ومغرس سوء لؤمه متقادم

  شهيدي على أن ليس حرّا صليبة ... صفيحة وجه ابن استها⁣(⁣٣) واللهازم

  صفيحة دقّاق أبوه شبيهه ... وجدّاه سمّاك لئيم وحاجم

  أعاصم خلّ المكرمات لأهلها ... وأغض على لؤم ووجهك سالم

  فكيف تنال الدهر مجدا وسؤددا ... وفي كل يوم كوكب لك ناجم؟


(١) سيط: خلط، وبابه قال:

(٢) الجرمقاني: واحد الجرامقة، وهم من قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام.

(٣) تركيب يقال لمن يسب ويصغر من جهة أمة.