كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المخبل القيسي ونسبه

صفحة 397 - الجزء 20

  وترى من جار همّته ... أن يؤدّي كل ما احتجنه⁣(⁣١)

  وقال إبراهيم بن العباس لابن الزيات:

  إيها⁣(⁣٢) أبا جعفر وللدهر كرّ ... رأت وعما يريب متّسع

  أرسلت ليثا على فرائسه ... وأنت منها فانظر متى تقع

  لكنّه قوته وفيك له ... وقد تقضّت أقواته شبع

  وهي أبيات، وقد كان أحمد بن أبي دواد⁣(⁣٣) حمل الواثق على الإيقاع بابن الزيات وأمر علي بن الجهم فقال فيه:

  لعائن⁣(⁣٤) اللَّه موفّرات ... مصبّحات ومهجّرات

  على ابن عبد الملك الزّيات ... عرّض شمل الملك للشتات

  يرمي الدواوين بتوقيعات ... معقّدات غير مفتوحات

  أشبه شيء برقي الحيات ... كأنّها بالزيت مدهونات

  / بعد ركوب الطوف⁣(⁣٥) في الفرات ... وبعد بيع الزيت بالحبات

  سبحان من جلّ عن الصفات ... هارون يا بن سيّد السادات

  أما ترى الأمور مهملات⁣(⁣٦) ... تشكو إليك عدم الكفاة⁣(⁣٧)

  وهي أبيات، فهمّ الواثق بالقبض على ابن الزيات، وقال: لقد صدق، قائل هذا الشعر، ما بقي لنا كاتب.

  فطرح نفسه على إسحاق بن إبراهيم، وكانا مجتمعين على عداوة بن أبي دواد، فقال للواثق: أمثل ابن الزيات - مع خدمته وكفايته - يفعل به هذا، وما جنى عليك وما خانك، وإنما دلَّك على خونة أخذت ما اختانوه، فهذا ذنبه!.

  وبعد، فلا ينبغي لك أن تعزل أحدا أو تعد مكانه جماعة يقومون مقامه، فمن لك بمن يقوم مقامه؟ فمحا ما كان في نفسه عليه ورجع له.

  وكان إيتاخ صديقا لابن أبي دواد، فكان يغشاه كثيرا، فقال له بعض كتابه: إن هذا بينه وبين الوزير ما تعلم، وهو يجيئك دائما، ولا تأمن أن يظن الوزير بك ممالأة عليه؛ فعرّفه ذلك، فلما دخل ابن أبي دواد إليه خاطبه في هذا المعنى، فقال: إني واللَّه ما أجيئك متعززا بك من ذلة، ولا متكثّرا من قلَّة، ولكن أمير المؤمنين رتّبك رتبة أوجبت لقاءك، فإن لقيناك فله، وإن تأخرنا عنه فلنفسك، ثم خرج من عنده فلم يعد إليه.


(١) احتجنه: احتواه وضمه إلى نفسه.

(٢) إيها: كلمة استترادة واستنطاق.

(٣) في ب س: «داود»، وهو تحريف.

(٤) اللعائن: جمع اللعينة، وهي الشدة يلعنها كل أحد.

(٥) الطوف: قرب ينفخ فيها، ويشد بعضها إلى بعض كهيئة السطح، يركب عليها في الماء ويحمل عليها.

(٦) في س، ب: «مهمولات»، وهو تحريف.

(٧) الكفاة: جمع الكافي، وهو الَّذي يكفي ويغني عن غيره.