كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المسدود

صفحة 410 - الجزء 20

  ثم قال: واللَّه لا تركت بعدي من يهزج. قال جحظة: واللَّه ما كذب!.

  ينفيه الواثق إلى عمان:

  أخبرني جحظة، قال: كان الواثق قد أذن لجلسائه ألا يردّ أحد نادرة عن أحد يلاعبه⁣(⁣١)، فغنى الواثق يوما:

  نظرت كأنّي من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصبابة انظر

  وقد كان النبيذ عمل فيه وفي الجلساء فانبعث⁣(⁣٢) إليه المسدود فقال: أنت تنظر أبدا من وراء زجاجة، إن كان في عينيك⁣(⁣٣) ماء صبابة أو لم يكن، فغضب الواثق من ذلك وكان في عينيه بياض، ثم قال: خذوا برجل العاضّ بظر⁣(⁣٤) أمه، فسحب من بين يديه. ثم قال: ينفى إلى عمان الساعة، فنفي من وقته وحدر / ومعه الموكَّلون⁣(⁣٥). فلما سلَّموه إلى صاحب البصرة، سأله أن يقيم عنده يوما ويغنّيه، ففعل.

  يأبي الغناء لأمير البصرة فيرسله إلى عمان:

  فلما جلسوا للشراب ابتدأ فقال: احذروني يا أهل البصرة على حرمكم، فقد دخلت إلى بلدكم وأنا أزنى خلق اللَّه. قال: فقال له الجمّاز: أما يعني⁣(⁣٦) أنه أزنى خلق اللَّه أمّا، فغضب المسدود، وضرب بطنبوره الأرض وحلف ألا يغنّي، فسأله الأمير أن يقيم عنده وأمر بإخراج الجماز وكلّ من حضر، فأبى ولجّ فأحدره إلى عمان.

  يشتاقه الواثق فيكتب في إحضاره:

  ومكث الواثق⁣(⁣٧) لا يسأل عنه سنة، ثم اشتاقه فكتب في إحضاره، فلما جاءه الرسول ووصل إلى الواثق قبّل الأرض بين يديه، فاعتذر من هفوته وشكر التفضل عليه. فأمره بالجلوس ثم قال له: حدّثني بما رأيت بعدي.

  فقال: لي حديث ليس في الأرض أظرف⁣(⁣٨) منه، وأعاد عليه حديثه بالبصرة. فقال له الواثق: قبحك اللَّه ما أجهلك! ويلك! فأنت سوقة وأنا ملك، وكنت صاحيا وكنت منتشيا وبدأت القوم فأجابوك، فبلغ بك الغضب ما ذكرته وما بدأتك فتجيبني، وبدأتني - من المزح - بما لا يحتمله النظير لنظيره، ويلك! لا تعاود ممازحة خليفة وإن أذن لك في ذلك، فليس كل أحد يحضره حلمه كما حضرني فيك.

  يهجو الواثق في رقعة ويقدمها إليه خطأ:

  أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني عون بن محمد، قال: سمعت حمدون بن إسماعيل يقول:

  لم يكن في الخلفاء أحد أحلم من الواثق، ولا أصبر على أذى وخلاف. وكان / يعجبه غناء أبي حشيشة


(١) في «المختار» و «التجريد»: «ولا عنه».

(٢) في «المختار» و «التجريد»: «فالتفت».

(٣) كذا في «المختار»، وفي س: «عينك»، وهو تحريف.

(٤) البظر: ما بين شفري الفرج.

(٥) كذا في «المختار»، وفي ب: «المؤكلون»، وهو تحريف.

(٦) في «المختار»: «إنه يعني أنه ...» وفي «التجريد»: «إنما يعني».

(٧) زيادة من «المختار» يتضح بها الكلام.

(٨) في «المختار»: «أطرف».