كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار إسحاق مع غلامه زياد

صفحة 431 - الجزء 20

  وغلامه زياد جالس على مسورة⁣(⁣١) يسقي، وهو يومئذ غلام أمرد أصفر، رقيق البدن حلو الوجه. ثم أخذ يراجعه ولا⁣(⁣٢) أحد يستطيع يقول له: زدني ولا انقصني.

  يعتقه إسحاق ويزوجه:

  أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ، قال: حدّثني أحمد بن الهيثم، يعني جدّ أبي | قال:

  كنت ذات يوم جالسا في منزلي بسرّ من رأى وعندي إخوان لي، وكان طريق إسحاق في مضيّه إلى دار الخليفة ورجوعه منها على منزلي، فجاءني الغلام يوما وعندي أصدقاء لي فقال لي: إسحاق بن إبراهيم الموصلي بالباب، فقلت له: ويلك! يدخل، أوفى الخلق أحد يستأذن عليه لإسحاق!.

  فذهب الغلام وبادرت أسعى في أثره حتى تلقيته، فدخل وجلس منبسطا آنسا، فعرضنا عليه ما عندنا، فأجاب إلى الشّرب، فأحضرناه نبيذا مشمّسا فشرب منه، ثم قال: أتحبون أن أغنّيكم؟ قلنا: إي واللَّه أطال اللَّه بقاءك، إنا نحب ذلك. قال: فلم لم تسألوني؟ قلنا: هبناك واللَّه، قال: فلا تفعلوا، ثم دعا بعود فأحضرناه، فاندفع فغنانا، فشربنا وطربنا. فلما فرغ قال: أحسنت أم لا؟ فقلنا: بلى واللَّه، جعلنا اللَّه فداءك لقد أحسنت. قال: فما منعكم أن تقولوا لي: أحسنت!.

  / قلنا: الهيبة واللَّه لك، قال: فلا تفعلوا هذا فيما تستأنفون، فإنّ المغنّي يحب أن يقال له: غنّ، ويحبّ أن يقال له إذا غنّى: أحسنت، ثم غنانا صوته:

  خليليّ هبّا نصطبح بسواد

  فقلنا له: يا أبا محمد، من هو زياد الَّذي عنيته؟ قال: هو غلامي الواقف بالباب، ادعوه يا غلمان، فأدخل إلينا، فإذا غلام خلاسيّ، قيمته عشرون دينارا أو نحوها. فأمسكنا عنه، فقال: أتسألوني عنه فأعرّفكم إياه ويخرج كما دخل، وقد سمعتم شعري فيه وغنائي؟ أشهدكم أنه حرّ لوجه اللَّه، وأنّي زوّجته أمتي فلانة، فأعينوه على أمره.

  قال: فلم يخرج حتى أوصلنا إليه عشرين ألف درهم، أخرجناها له من أموالنا.

  إسحاق يرثيه:

  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال: حدّثني أبي، قال: توفي زياد غلام إسحاق الَّذي يقول فيه:

  وقولا لساقينا زياد يرقها

  فقال إسحاق يرثيه:

  فقدنا زيادا بعد طول صحابة ... فلا زال يسقي الغيث قبر زياد

  ستبكيك كأس لم تجد من يديرها ... وظمآن يستبطي الزجاجة صاد

  يطلب الأمين إسحاق فيغنيه:

  أخبرني عمي، قال: حدّثني ابن المكي عن أبيه، قال:


(١) المسورة: المتكأمن الجلد، ومثلها: المسور.

(٢) كذا في نسخة بيروت، وفي ب، س: «وما أحد»، وهو تحريف.