كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الهندي ونسبه

صفحة 436 - الجزء 20

  مفدّمة⁣(⁣١) قزّ⁣(⁣٢) كأن رقابها ... رقاب بنات الماء تفزع للرعد

  جلتها الجوالي حين طاب مزاجها ... وطيّبتها بالمسك والعنبر والورد

  تمجّ سلافا في الأباريق خالصا ... وفي كلّ كأس من مها حسن القدّ

  تضمّنها زق أزبّ⁣(⁣٣) كأنه ... صريع من السودان ذو شعر جعد

  نسخت من كتاب ابن النّطاح.

  ثلاثة أيام يسكر فيها كلما أفاق:

  حدّثني بعض أصحابنا:

  أن أبا الهنديّ اشتهى الصّبوح في الحانة ذات يوم، فأتى خمارا بسجستان في محلَّة يقال لها: كوه زيان - وتفسيره: جبل الخسران - يباع فيها الخمر والفاحشة، ويأوي إليها كل خارب⁣(⁣٤) وزان ومغنّية⁣(⁣٥)، فدخل إلى الخمار فقال له: اسقني، وأعطاه دينارا، فكال له، وجعل يشرب حتى سكر، وجاء قوم يسألون عنه فصادفوه على تلك الحال. فقالوا للخمّار: ألحقنا به؛ فسقاهم حتى سكروا، فانتبه فسأل عنهم، فعرّفه الخمّار خبرهم، / فقال له: هذا الآن وقت السكر، الآن طاب، ألحقني بهم، فجعل يشرب حتى سكر، وانتبهوا فقالوا للخمار: ويحك! هذا نائم بعد! فقال: لا، ولقد انتبه، فلما عرف خبركم شرب حتى سكر، فقالوا: ألحقنا به فسقاهم حتى سكروا، وانتبه فسأل عن خبرهم، فعرفه فقال: واللَّه لألحقنّ بهم، فشرب حتى سكر، ولم يزل ذلك دأبه ودأبهم ثلاثة أيام لم يلتقوا وهم في موضع واحد، ثم تركوا هم الشرب عمدا حتى أفاق، فلقوه.

  وهذا الخبر بعينه يحكي لواليه بن الحباب مع أبي نواس، وقد ذكر في أخبار والبة، والصحيح أنه لأبي الهنديّ، وفي ذلك يقول:

  ندامى بعد ثالثة تلاقوا ... يضمّهم بكوه زيان راح

  وقد باكرتها فتركت منها ... قتيلا ما أصابتني جراح

  وقالوا أيّها الخمار من ذا؟ ... فقال أخ تخوّنه اصطباح

  فقالوا هات راحك ألحقنا ... به وتعلَّلوا ثم استراحوا

  فما إن لبّثتهم أن رمتهم ... بحدّ سلاحها ولها سلاح

  وحان تنبّهي فسألت عنهم ... فقال أتاحهم قدر متاح

  رأوك مجدّلا فاستخبروني ... فحرّكهم إلى الشرب ارتياح

  فقلت بهم فألحقني فهبّوا ... فقالوا هل تنبّه حين راحوا؟

  فقال نعم فقالوا ألحقنّا ... به قد لاح للرائي صباح


(١) مفدمة: وصف من فدم الإناء: إذا جعل عليه الفدام، وهو مصفاة صغيرة، أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفى بها ما فيه

(٢) القز، بالضم: التباعد من الدنس، وكل ما يستقذر، يريد أنها فدمت صيانة لها، ومحافظة على ما فيها.

(٣) أزب، هو في الأصل: كثير شعر الوجه والأذنين، والمراد أنه ذو شعر.

(٤) الخارب: اللص.

(٥) كذا في ف، وفي س، ب: «بغيّة»، ولا وجه لإلحاق التاء يبغي.