كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الهندي ونسبه

صفحة 437 - الجزء 20

  فما إن زال ذاك الدأب منّا ... ثلاثا يستغبّ⁣(⁣١) ويستباح

  نبيت معا وليس لنا لقاء ... ببيت ما لنا فيه براح⁣(⁣٢)

  يموت مختنقا:

  أخبرني عمي الحسن بن أحمد، قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: قال صدقة بن إبراهيم البكريّ:

  كان أبو الهنديّ يشرب معنا بمرو، وكان إذا سكر يتقلب تقلَّبا قبيحا في نومه، فكنا كثيرا ما نشدّ رجله لئلا يسقط من السطح، فسكر ليلة وشددنا رجله بحبل، وطولنا فيه ليقدر على القيام إلى البول وغير ذلك من حوائجه، فتقلَّب وسقط من السطح، وأمسكه الحبل فبقي منكَّسا وتخنّق بما في جوفه من الشراب، فأصبحنا فوجدناه ميتا.

  قال صدقة: فمررت بقبره بعد ذلك فوجدت عليه مكتوبا:

  اجعلوا إن متّ يوما كفني ... ورق الكرم وقبري⁣(⁣٣) معصره

  إنّني أرجو من اللَّه غدا ... بعد شرب الراح حسن المغفرة

  قال: فكان الفتيان بعد ذلك يجيئون إلى قبره، ويشربون ويصبّون القدح إذا انتهى إليه على قبره.

  قال حماد بن إسحاق عن أبيه في وفاة أبي الهنديّ: إنه خرج وهو سكران في ليلة باردة من حانة خمّار وهو ريان، فأصابه⁣(⁣٤) ثلج فقتله، فوجد من غد ميتا على الطريق.

  شعره وقد كف عن الشراب مدة:

  وروى حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: حج نصر بن سيار وأخرج معه أبا الهنديّ، فلما حضرت أيام الموسم قال له: يا أبا الهنديّ، إنّا بحيث ترى، وفد اللَّه وزوّار بيته، فهب لي النبيذ في هذه الأيام واحتكم عليّ، فلو لا ما ترى، ما منعتك، فضمن له ذلك وغلَّظ عليه الاحتكام، ووكَّل به نصر بن سيار، فلما انقضى الأجل مضى في السحر قبل أن يلقي نصرا، فجلس في أكمة يشرف منها على فضاء واسع، فجلس عليها ووضع بين يديه إداوة، وأقبل يشرب ويبكي، ويقول:

  /

  أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها ... كما فقد المفطوم درّ المراضع

  حليف مدام فارق الراح روحه ... فظل عليها مستهلّ المدامع

  قال: وعاتب قوم أبا الهنديّ على فسقه ومعاقرته الشراب، فقال:

  إذا صلَّيت خمسا كلّ يوم ... فإنّ اللَّه يغفر لي فسوقي

  ولم أشرك بربّ الناس شيئا ... فقد أمسكت بالدّين⁣(⁣٥) الوثيق

  وجاهدت العدوّ ونلت مالا ... يبلَّغني إلى البيت العتيق


(١) كذا في الأصل، كأنه استفعال من الغب، والمراد التناوب. وفي «المختار»: «يستهب»، وفي «التجريد»: «يستحل».

(٢) هذا البيت زيادة من «المختار» و «التجريد».

(٣) في «المختار»:

«وقشر المعصرة»

(٤) في «المختار»: «فأصابه الثلج».

(٥) في «المختار»: «الحبل».