أخبار سعيد بن وهب
  يمل إليه، وأخذ سعيد بن وهب في العشر ينشده، فمال إليه الغلام، فبعث به إلى منزله، وبعث معه بالكسائيّ، وقال له: حدّثه وآنسه إلى أن أجيء وتشاغل بحاجة له، فمضى به الكسائيّ، فما زال يداريه حتى قضى حاجته وأربه، ثم قال له: انصرف، وجاء سعيد فلم يره، فقال:
  شعره وقد نال الكسائي من الغلام الَّذي استماله:
  أبو حسن لا يفي ... فمن ذا يفي بعده؟
  أثرت له شادنا ... فصايده وجده
  وأظهر لي غدرة ... وأخلفني وعده
  سأطلب ما ساءه ... كما ساءني جهده
  يرثي ابنا له:
  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: كان سعيد بن وهب لي صديقا، وكان له ابن يكنى أبا الخطاب، من أكيس الصبيان وأحسنهم وجها وأدبا، فكان لا يكاد يفارقه في كل حال، لشدة شغفه به، ورقته عليه. فمات وله عشر سنين، فجزع عليه جزعا شديدا، وانقطع عن لذاته. فدخلت إليه يوما لأعاتبه على ذلك، وأستعطفه، فحين رأى ذلك في وجهي فاضت دموعه، ثم انتحب حتى رحمته، وأنشدني:
  عين جودي على أبي الخطَّاب ... إذ تولَّى غضّا بماء الشباب
  لم يقارف ذنبا ولم يبلغ الحن ... ث مرجّى(١) مطهّر الأثواب
  فقدته عيني إذا ما سعى أت ... رابه من جماعة الأتراب
  إن غدا موحشا لداري فقد أص ... بح أنس الثّرى وزين التّراب
  أحمد اللَّه يا حبيبي فأني ... بك راج منه عظيم الثواب
  ثم ناشدني ألَّا أذكَّره بشيء مما جئت إليه، فقمت ولم أخاطبه بحرف.
  وقد رأيت هذه الأبيات بعينها بخط إسحاق في بعض دفاتره، يقول فيه: أنشدني سعيد بن وهب لنفسه يرثي ابنا له صغيرا، وهي على ما ذكره جعفر بن قدامة عن حماد سواء.
  كان مألفة للغلمان والظرفاء والقيان:
  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدّثني أبو هفّان، قال:
  حدّثني أبو دعامة، قال: كان سعيد بن وهب مألفة لكل غلام أمرد، وفتى ظريف، وقينة محسنة، فحدّثني رجل كان يعاشره، قال: دخل إليه يوما وأنا عنده غلامان أمردان، فقالا له: قد تحاكمنا إليك: أيّنا أجمل وجها، وأحسن جسما؟ وجعلنا لك / أجر حكمك أن تختار أيّنا حكمت له، فتقضي حاجتك منه. فحكم لأحدهما، وقام فقضى حاجته واحتبسهما(٢) فشربا عنده نبيذا، ثم مال عل الآخر أيضا، وقمت معه. فداخلتهما حتى فعلت كفعله،
(١) في س: «مزجى»، وهو تحريف.
(٢) في «المختار»: «فحبيسهما عنده وشربا».