أخبار سعيد بن وهب
  فقال لي سعيد: هذا يوم الغارات في الحارات(١)، ثم قال:
  شعره في غلامين احتكما إليه أيهما أجمل:
  رئمان جاءا فحكَّماني ... لا حكم قاض ولا أمير
  هذا كشمس الضحى جمالا ... وذا كبدر الدّجى المنير
  وفضل هذا كذا على ذا ... فضل خميس على عشير
  قالا أشر بيننا برأي ... ونجعل الفضل للمشير
  تباذلا ثم قمت حتى ... أخذت فضلي من الكبير
  وكان عيبا بأن أراني ... أحرم حظَّي من الصغير
  فكان منّي ومن قريني ... إليهما وثبة المغير
  فمن رأى حاكما كحكمي ... أعظم جورا بلا نكير!
  وقال: وشاعت الأبيات حتى بلغت الرشيد، فدعا به فاستنشده إياها، فتلكأ، فقال له: أنشد ولا بأس عليك، فأنشد، فقال له: ويلك! اخترت الكبير سنا أو قدرا؟ قال: بل الكبير قدرا. قال: لو قلت غير هذا سقطت عندي واستخففت بك. ووصله.
  يمدح الفضل بن يحيى ببيتين فيطرب لهما:
  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو العيناء، قال:
  دخل سعيد بن وهب على الفضل بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء، فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد، فالتفت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق، فقال له:
  / أيها الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، ولا تقدّمت لها، عندي مقدّمة فأعرفها، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة، فقال: هاتهما فربّ قليل أبلغ من الكثير، فقال سعيد:
  مدح الفضل نفسه بالفعال(٢) ... فعلا عن مديحنا بالمقال
  أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال
  قال: فطرب الفضل، وقال له: أحسنت واللَّه وأجدت! ولئن قلّ القول ونزر لقد اتسع المعنى وكثر.
  ثم أمر له بمثل ما أعطاه(٣) كلّ من أنشده مديحا يومئذ، وقال: لا خير فيما يجيء بعد بيتيك(٤)؛ وقام من المجلس وخرج الناس يومئذ بالبيتين لا يتناشدون سواهما.
(١) في النسخ: «الخسارات»، وأحسبها محرفة.
(٢) مل، مج: «بالمعالي».
(٣) في «المختار»: «أعطى».
(٤) في س: «بيتك»، وهو تحريف.