كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سعيد بن وهب

صفحة 443 - الجزء 20

  كان نديم الفضل بن يحيى وأنيسه:

  حدّثني عمّي قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: حدّثت عن الخريمي، قال:

  كان الفضل بن يحيى ينافس أخاه جعفرا، وينافسه جعفر، وكان أنس بن أبي شيخ خاصا بجعفر، ينادمه ويأنس به في خلواته، وكان سعيد بن وهب بهذه المنزلة للفضل.

  فدخلت يوما إلى جعفر، ودخل إليه سعيد بن وهب، فحدّثه وأنشده وتنادر له، وحكي عن المتنادرين، وأتى بكل ما يسرّ ويطرب ويضحك، وجعفر ساكت ينظر إليه لا يزيد على ذلك.

  فلما خرج سعيد من عنده تجاهلت عليه، وقلت له: من هذا الرجل الكثير الهذيان؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت:

  لا؛ قال: هذا سعيد بن وهب صديق أخي / أبي العباس وخلصانه وعشيقه، قلت: وأيّ شيء رأى فيه؟ قال: لا شيء واللَّه إلَّا القذر والبرد والغثاثة.

  ثم دخلت بعد ذلك إلى الفضل، ودخل أنس بن أبي شيخ فحدّث وندّر وحكى عن المضحكين وأتى بكل طريفة، فكانت قصة الفضل معه قصة جعفر مع سعيد، فقلت له بعد أن خرج من حضرته: من هذا المبرّد؟ قال:

  أو لا تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا أنس بن أبي شيخ صديق أخي أبي الفضل وعشيقه وخاصته. قلت: وأيّ شيء أعجبه فيه؟ قال: لا أدري واللَّه، إلَّا القذر والبرد وسوء الاختيار.

  قال: وأنا واللَّه أعرف بسعيد وأنس من الناس جميعا، ولكني تجاهلت عليهما وساعدتهما على هواهما.

  يفي للفضل بن الربيع في نكبته فيعظم قدره:

  حدّثني عمّي، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: قال إبراهيم بن العباس:

  قال لي الفضل بن الربيع ذات يوم: عرّفتنا أيام النكبة⁣(⁣١) من كنا نجهله من الناس، وذلك أنا احتجنا إلى أن نودع أموالنا، وكان⁣(⁣٢) أمرها كثيرا مفرطا، فكنا نلقيها على الناس إلقاء، ونودعها الثقة وغير الثقة، فكان ممن أودعته سعيد بن وهب، وكان رجلا صعلوكا لا مال له، إنما صحبنا على البطالة⁣(⁣٣): فظننت أن ما أودعته ذاهب، ثم طلبته منه بعد حين، فجاءني واللَّه بخواتيمه.

  وأودعت عليّ بن الهيثم كاتبنا جملة عظيمة، وكان عندي أوثق من أودعته، / فلما أمنت طالبته بالوديعة، فجحدنيها وبهتني⁣(⁣٤) وحلف على ذلك، فصار سعيد عندي في السماء، وبلغت به كل مبلغ، وسقط عليّ بن الهيثم، فما يصل إليّ ولا يلقاني.

  يحاجي جارية رجل من البرامكة:

  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه، حدّثني عمرو بن بانة. قال:

  كان في جواري رجل من البرامكة، وكانت له جارية شاعرة ظريفة، يقال لها حسناء، يدخل إليها الشعراء


(١) في «المختار»: «البلية».

(٢) في «المختار»: «وكانت كثيرة مفرطة».

(٣) في «المختار»: «البطالة والضحك».

(٤) بهتني: افترى عليّ الكذب.